239

عرائس البيان في حقائق القرآن

تصانيف

وجلاله ما لا يحصي عدده من نوال قربه ، ومشاهدته بقوله : ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) والأجر العظيم : مشاهدته.

( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل (44) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (45))

( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46) يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا (47))

قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) أخبر تعالى عن مقام جلاله صلى الله عليه وسلم في مشاهدته تعالى حيث شاهده جمهور الأنبياء والصديقين ، وبين عن عظيم خوفه في قلوب الجميع ، ووضع هاهنا الرغبة والرهبة معا ؛ لأن العارف إذا قرب من البساط يغلب عليه التعظيم والإجلال والرغبة والرجاء ؛ لأن شهود أنوار قربه يقتضي هاتين الحالتين ، أي : كيف حالك في رؤية القدم ، وأنت لا أنت ، وكيف حال هؤلاء عند بروز سطوات عظمته ، وهم في حد الفناء في رؤية كبريائي؟ وكيف حال الأنبياء والصديقين قبلك وقبل أمتك في ميادين عزتي وجلالي ، إذا كان حالك وحال أمتك بهذه الصفة؟ أي : فكيف تشهد الشهداء والمشهودين عليهم حين أبرزت وجهي الكريم؟ كيف تشهدون على الأمة في وجهي وكشف جمالي؟ وكيف تبقي الأمة عند فناء الأنبياء؟ أما مقام الرهبة فيها فإن الله سبحانه لما كشف بعد حواشي سرادق كبريائه من الأنبياء والصديقين وقع عليهم البهتة والتحير والفناء من عظمته وسطوة عزته ، فلا يبقى أحد منهم إلا أن يكون مضمحلا في نفسه ، فخاطب على وجه التعجب ، أي : كيف يقومون بإيذاء كشف جمالي بنعت

صفحة ٢٤٩