240

عرائس البيان في حقائق القرآن

تصانيف

الرضا ، وأنتم على شبه السكارى حيارى من حلاوة لذة جمالي؟.

وفي الحديث المروي : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن مسعود ببعض قراءة القرآن عنده ، فقال : يا رسول الله أنزل عليك القرآن ، وأنا أقرأ عندك ، فقال عليه السلام : «أنا أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأ : ( يا أيها الناس ... ) إلى قوله : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على ابن مسعود وقال : إلى ههنا ، وبكى بكاء شديدا حتى اضطربت لحياه» (1).

وفي رواية أنه عليه السلام صاح صيحة عند سماع هذه الآية ، وبين في وجده عليه السلام هاتين المنزلتين.

وأيضا : بين شرف نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته وشرف الأنبياء وأممهم ، وألا يخفى عليه شيء من العرش ليستره.

قال بعضهم : ( وجئنا ) من كل أمة بولي وصديق ، ( وجئنا بك ) مصدقا لولايتهم أو مكذبا لها ، قال الله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [البقرة : 143].

( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) هذا خطاب لأهل العشق والمحبة والشوق الذين أسكرتهم أنوار القدوسية ، وسبحات السبوحية وسطوات العظمة ، وشربات بحار الأزلية ، ولطائف كشوفات القدمية ، وهم حيارى سكارى ، تائهون في مشاهد الجلال والجمال ، فغالب أحوالهم العبرات والغلبات والزعقات والشهقات ، والهيجان والهيمان ، لا يعرفون الأوقات ، ولا يعلمون الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، لا يقدرون في حال سكرهم أي : ماتوا على شرائط الصلاة من القيام والقراءة والركوع والسجود ، كهشام بن عبدان ، وبهلول ، وسعدون ، وجميع عقلاء المجانين.

أي : أيها العارفون بذاتي وصفاتي وأسمائي ونعوتي السكارى من شراب محبتي وسلسبيل أنسي وتسنيم قدمي وزنجبيل قربي وخمور عشقي وعقار مشاهدتي إذا كشفت لكم جمالي وأوقعتكم في مقام ربوبيتي فلا تكلفوا أنفسكم أمر صورة الظاهر ؛ لأنكم في جنان مشاهدتي ، وليس في جنة جلالي تعبد ، حتى سكنتم من سكركم ، وصرتم صاحين على نعت التمكين ، فإن جنون العشق يرفع قلم التكليف عن مجنون محبتي ، فإذا تصلون وتقربون مقام البدايات على حد الصحو ، وإن كنتم مضطربين من خمار ذلك السكر ، لأن السكران

صفحة ٢٥٠