ثم قالت المطرفية في تحقيق مذهبها ودينها ما يقول القائل من ذلك توسع ومجاز، وإلا فالحقيقة عندهم أن الله خلق الأصول وقصدها عند خلقها من الهواء والماء، والرياح والنار، حكمة من الملك الجبار، العزيز القهار، وجعلها مركبة مفطورة على أحداث الفروع من السماوات والأرضين، وما فوقهما وبينهما من الحيوانات والجمادات، قالوا: فبعضها يحدث من بعض، البيضة من الدجاجة، والدجاجة من الدجاجة من البيضة، والإنسان من المني والمني من الإسنان، والثمرة من الشجرة والشجرة من الثمرة، وكل فرع حادث من أصله لا بإرادة الله تعالى وقصده، وهذا محال؛ لأن هذه الفروع كلها محدثة، وكل محدث لابد له من محدث قادر، فإن ما أوجب في الأصول أن يحتاج إلى محدث قاصد لها قادر عليها، يوجب مثل ذلك في الفروع من الأصول كما قضت به العقول، ونطق به الكتاب الكريم، وجاءت به السنة الشريفة، وحكم به الأئمة الهادون، خلاف قول هذه المطرفية، وإخوانهم من الفلاسفة والطبايعة والدهرية.
المعرفة الثانية
قال أهل الإسلام كافة: بأن كل ثمرة من حب أو زبيب أو فاكهة أو جنسها خرجت من أصلها لا بطبيعة أصلها، ولا من مادته ولا تركيبه على إحداث ذلك، ولا بفطرته، ولا بتأثير ولا جبلته، بل أحدثها من ذلك الأصل خلقها وأبدعها ربها وصانعها؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، والأصول ليست بحية ولا قادرة.
صفحة ٣