والهزيمة الحقيقية أن ننفرط إلى أفراد لا مبالين. ماذا أصبح يجمع الشعب العربي في كل مكان؟ لا شيء، حتى الأماني المشتركة لا تجمعه، لا الكلمة أصبحت واحدة ولا الهدف واحدا ولا واحدة في أي شيء .
المطلوب من العمل الشعبي شيء واحد فقط في أول خطوة؛ أن نشترك جميعا في عمل، حتى لو كنا قد تفرقنا مبادئ وشيعا، فليجمعنا العمل الواحد، أبسط الأعمال، ولو حتى نتفق أن نصمت جميعا ولمدة دقيقة واحدة غدا في التاسعة صباحا.
قد يبدو للبعض أن الاقتراح ساذج وبسيط، ولكن أخطر ما فيه أنه ساذج، إذ أن نتيجته مروعة.
إن جزءا كبيرا من اليأس الذي عم شعوبنا سببه أننا في تفكيرنا لمواجهة الغزو الصهيوني الاستعماري كنا دائما نتصور أننا لا بد أن نتصدى له بواجهتنا الرسمية فقط، بما فيها من قيادات وجيوش وحكومات، وحتى ليس كل القيادات والجيوش والحكومات، بعضا فقط سميناه دول المواجهة، وعلى جيوش هذه الدول أو بالضبط على بعضها فقط ألقينا عبء «العمل».
ولقد بدأت تتضح لنا الآن أبعاد القضية. والحديث عن قومية المعركة ليس إلا إدراكا واحدا من إدراكات ذلك البعد؛ فقد كنا نظن أننا نواجه إسرائيل فإذا بنا نكتشف أننا نواجه يهود العالم مجتمعين. وقد كنا نظن أننا نواجه حروبا صغيرة فإذا بنا نكتشف أننا نواجه خطة خبيثة وماكرة ومدبرة بعناية - ومنذ نصف قرن من الزمان على الأقل - وأن إسرائيل واليهودية العالمية ليست وحدها عدونا إنما وراءها رأس الرمح في القوى الاستعمارية العالمية؛ أمريكا وأفلاكها. وراءها رأي عام عالمي استطاعوا خداعه وتلفيقه - وأيضا من زمن طويل - شيئا فشيئا بدا يتضح لنا أن المواجهة أكبر من أي قطر عربي بمفرده، وحتى أكبر من قومية المعركة لو اجتمعت لها الحكومات العربية كلها، إنما لا بد لها أيضا من شعبية المعركة، من اشتراك كل مواطن عربي في المعركة ولو بعمل صغير، ولو بقرش واحد يمول به كل أسبوع معركة حياته أو موته.
وأبدا لم تستعمله
وشعبية المعركة ليست لعبا بالكلمات، إنها السلاح السري الخطير الذي يملكه العرب ولم يستعملوه إلى الآن. إن الذي يخيف إسرائيل وأمريكا، وكل الدوائر المتآمرة علينا والمتربصة بنا، أن يحدث وعلى امتداد الوطن العربي كله توقف الخمس الدقائق أو نصف الساعة وفي وقت واحد جامع شامل يلم شتات عامل البناء في طنجة والوزير في حكومة اتحاد إمارات الخليج وخفير المخزن في اللاذقية والرعاة في اليمن الجنوبية والسودان.
ذلك أننا لو فعلنا هذا لأدخلنا إلى المعركة السلاح الرهيب الذي لم نستعمله أبدا، سلاح الكم الهائل من البشر الذي نمتلكه، سلاح المائة مليون إنسان. إن إسرائيل تخاف من سلاح المائة مليون إذا حشد؛ لأنها مهما فعلت لن تستطيع التفوق لا هي ولا أمريكا معها في هذا المجال. إن إدخال الشعب طرفا في المعركة الرهيبة الذي إذا دخل المعركة لن يخرج منها أبدا إلا منتصرا، وأن الأمر قد يبدأ برفع الذراع علامة المشاركة، ولكنه لا بد أن ينتهي حتما بالسيطرة الكاملة على كل المصالح الأمريكية في المنطقة، وعلى خنق إسرائيل ولو حتى بأجسادنا نفسها مجتمعة ومتلاصقة وزاحفة لاسترداد هذا الجزء من أرضنا.
إن إشراك الشعب العربي كله في المعركة يضع أمريكا وإسرائيل أمام أمرين لا ثالث لهما: إما إبادة هذا الشعب لإبادة إرادته، وإما التسليم له بما يريد. ولأننا لم نعد في عصر تستطيع فيه حتى ولو دولة معربدة مغرورة مسلحة مثل أمريكا أن تبيد مائة مليون مهما رغبت في هذا الأمر وحلمت به، فلن يبقى لها إلا التسليم.
بالضبط، لماذا لا يكون هناك عمل شعبي شامل وسريع وعلى مستوى الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج؟
صفحة غير معروفة