ولا تنفصل مسألة الضرائب والإتاوات ومسألة الفتح في تقدير أحد ممن كتبوا عن هذه الفترة في تاريخ مصر وتاريخ الدولة الرومانية، فقد اتفق المؤرخون الاجتماعيون والناقدون العسكريون على أن النظام الإداري - أو نظام الضرائب خاصة - كان له أثر قوي في تيسير الفتح من جانب المصريين، وعزز هذا الرأي ناقد عسكري حديث رجع بالدرس إلى معارك الفتح على أحدث المبادئ العصرية، وهذا الناقد العسكري هو القائد «فولر» رائد التسليح الآلي في تركيب الفرق الحديثة، فإنه راجع فتوح الإسلام وعجب لاتفاق فتح خراسان وفتح مصر في وقت واحد، ثم كان من تفسيراته لهذا الفتوح «أنها رد فعل على الحكم الروماني الذي أرهق المصريين بالضرائب الثقيلة، وحجر على عقيدة القبط الدينية».
الفصل التاسع
بين الإمارتين
أشار عمرو بفتح مصر ...
وقام عمرو بفتح مصر ...
وكل فتح فله تأمين وتمكين ...
وقد قام عمرو بتأمين ذلك الفتح وتمكينه، على نحو لم يسبقه إليه سابق من فاتحي وادي النيل في قديم عصوره؛ لأنه أبقى لهذا الفتح أثرا خالدا في لغة البلد ودينه وفنونه، فصنع ما لم يصنعه فاتح قديم وقل أن يصنعه فاتح حديث.
فلم يغفل عن حدود البلاد بعد أن سلمت له الإسكندرية وتتابع تسليم العواصم الأخرى لأعوانه، ولا سيما الحدود التي يجيء الخطر منها وهي حدود الغرب والجنوب.
ولعله علم من مصر - إن لم يعلم قبل ذلك - أن نقتاس القائد الروماني أغار على البلاد من غربيها فأخضعها، وأن هرقل قد حدثته نفسه مرة بالرجعة إلى المغرب ليحكمه، فرارا من فتن القسطنطينية ودسائسها، وقد يفعل ذلك خلف من بعده فيصبح المغرب منفذا لغارة رومانية قد يخشى خطرها على «الفتح الجديد» وهو في أوائل سنواته.
فتوجه في فتح المغرب حتى وقف عند تونس بأمر الخليفة، وعلم أن أهل مصر يخافون من مساكنة النوبة إياهم في بلادهم، ويسألون حاكمهم أن يقصيهم عنها ولا يأذن لهم بطول المقام فيها، فوعدهم ألا يأذن بهذا المقام، وسير الكتائب إلى مصر الجنوبية يذود عنها النوبة ويحرس ما دخل في حوزته من أرضها.
صفحة غير معروفة