محل العبد الرقيق بعد تعذر الاعتماد على هذا النظام في الزراعة.
وعلى هذا لم يكن مقدار الخراج محدودا في كل سنة، بل كان تحديده على حسب المحصول المنظور في أيام الفيضان، فيصدر البيان السنوي من الوالي الروماني خلال شهر يوليو أو أغسطس،
2
ويبلغ إلى الأقاليم في سبتمبر أو أكتوبر، ويتولى كل إقليم توزيع المقدار المطلوب منه على القرى والبلاد، كما يروق صاحب الكلمة العليا في الإقليم. وأصحاب الكلمة العليا مختلفون بين حكام رومانيين، أو أصحاب ضياع من الأجانب والوطنيين، وبين مجالس بلدية أو إقليمية، ومستأجرين يتولون زرع الأرض في مساحات واسعة، ثم يتولون محاسبة المجالس أو أصحاب الضياع.
والمطلوب من الأرض كذلك يختلف على حسب الجودة والصنف المزروع، فمن الأرض ما يسهل ريه بماء النيل، ومنها ما يصل إليه ماء النيل ولكنه يغمره أياما في السنة فلا يصلح للزراعة في غير موسم قصير، ومنها ما يحتاج إلى الآلات لريه ولا يأتي بالغلة الكافية إلا مع كثرة الأيدي العاملة فيه.
والدولة لا يعنيها إلا أن تجمع المقدار المقرر في حسابها، والموظفون لا يعنيهم إلا إرضاء الدولة، وليس للتقصير في أداء مطالبها غير نتيجة من نتيجتين، كلتاهما مكروهة ومحذورة: فإما العزل وإما العمل بغير مرتب؛ لأن المرتبات محسوبة من حصة الضرائب التي تبقى في مصر بعد استيفاء مطالب الدولة جميعا من المال والمحاصيل.
وربما تسابق الملاك الكبار ورؤساء المجالس المحلية والإقليمية في معاملة الدولة في تحصيل الضرائب؛ طلبا للكسب والنفوذ من وراء هذه المعاملة!
فقد كان النظام المتبع مع كبار الملاك أن يؤدوا ضرائبهم إلى خزانة الدولة مباشرة، بغير واسطة الجباة ورؤساء المجالس، وكان هذا النظام يرضي الدولة؛ لأنه يغنيها عن استخدام الموظفين والمحصلين، ويرضي المالك الكبير؛ لأنه يكسبه الجاه في الدواوين، ويمكنه من تسخير العمال المستأجرين، فلا يبرحون أرضه أو يستعين عليهم بسلطان الحكومة ويستبقيهم عنده مكرهين، وكان من حقه بهذه المثابة أن يطارد المماطلين؛ لأنهم يماطلون الدولة كما يماطلونه، وأن يستزيد من الأرض المزروعة لحسابه ما استطاع؛ لأنه يزيد بذلك في نصيب الخزانة العامة ويعطي الدولة حقها جملة واحدة في موعد معلوم!
وهناك غاية سياسية وراء هذه «الإجراءات الإدارية» ترمي إليها الدولة البيزنطية في عاصمتها الكبرى، وهي إثارة الشحناء بين سراة البلاد وأصحاب المناصب الكبرى، فتضرب بعضهم ببعض، وتأمنهم جميعا على سلطانها، وقد تأمن أن يغتالها أحدهم في نصيبها من الضرائب حذرا من وشاية الخصوم والنظراء.
ويغلب على اعتقادنا أن سلطان المقوقس في مصر إنما كان من عمله على هذا النحو في تدبير أمر الخراج، فلم يكن واليا مفوضا في أمر الخراج كما خطر لبعض المؤرخين، ولكنه كان مالكا كبيرا من أبناء البلاد، فكان يتكفل للدولة بحصته وحصة عملائه وأتباعه، وكانت الدولة الرومانية تعترف بوجاهته وتستفيد منها، كما كانت الدولة البريطانية تصنع في الهند مع الراجات وأمراء الولايات.
صفحة غير معروفة