وترى كيف كان التردد منتهيا بالخليفة لو لم ينته وعمرو يغذ السير في طريقه إلى التخوم المصرية؟!
أفضى الفاتح الجسور بأمله وأمل الإسلام إلى الخليفة فاستمع إليه، وتردد فيه بين ما عرف من كفاية عمرو، وما عرف من إقدامه على العظائم في سبيل الشرف والرئاسة.
بل تردد فيه بين دواعي الحرب، وهو لا يرى داعية للحرب إلا درءا لخطر أو قصاصا من عدوان.
وكان أقرب الناس إلى الفاروق يترددون مثله، ويرون في طماحة عمرو بن العاص مثل رأيه، منهم من يخلص في حذره، ومنهم من يغار من عمرو أن يكتب هذا الفتح الجليل على يديه!
وفي طليعة المخلصين حذرا من عواقب هذا الطموح الجموح، عثمان بن عفان، فقد كان يذكر الفاروق بجرأة ابن العاص، وأنه يرد المهالك في سبيل طمعه، وما بالفاروق من حاجة إلى تذكير.
أما ابن العاص فقد كان أخبر بالخليفة وبمصر من أن تفوته وسيلة الإقناع في هذا المقام!
إنه ليعلم حرص الفاروق على جند المسلمين أن يسفك دم واحد منهم في غير خطر واقع أو عدوان محذور.
فلتكن غزوته لمصر إذن دفعا للخطر الواقع، وضمانا لأرواح المسلمين، ولقد كانت هي كذلك لا مراء.
ولم يكن عمرو مغررا بالفاروق، ولا كان الفاروق ممن يجوز عليهم التغرير، فإنه ألقى إلى الخليفة أن «أريطيون» داهية الروم قد فر إلى مصر ليجمع فيها قوة الدولة الرومانية ويكر بها على الشام، فلا أمان للمسلمين في فلسطين أو الشام أو الحجاز نفسه وباب هذا الخطر مفتوح! وإنما يوصد الباب إذا ضربت الدولة الرومانية في مصر، وامتنع منها مدد الجند والمال والطعام لتلك الدولة المتداعية ...
فعلم الفاروق أنه يستمع إلى صواب، واستجاب لرأي عمرو وهو بين الإقدام والإحجام، فأذن له في المسير وأنظره كتابا آخر يأتيه منه في الطريق، وقال له: «سيأتيك كتابي سريعا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي، فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره.» •••
صفحة غير معروفة