كانت آيريس سعيدة للغاية لغياب الآنسة فروي؛ فقد أربكتها قيلولتها بدلا من أن تعينها على استعادة حيويتها، وشعرت أنها لن تطيق حلقة أخرى من مسلسل تاريخ الأسرة. كانت تريد أن تحظى بالسكينة. وبينما كان من المستحيل أن تنعم بالهدوء وسط هدير القطار وزئيره، كانت ترى أنها تستحق أن تحظى على الأقل بالخصوصية.
نظرت إلى الركاب الآخرين، فرأت أنها في مأمن من خطر أن يحاول أحدهم التواصل معها، فلم يعرها أي منهم انتباها. كانت البارونة نائمة في مقعدها، بينما جلس الركاب الآخرون في صمت دون حراك. داخل المقصورة، كانت الأجواء دافئة ومكتومة.
لقد سكنت تلك الأجواء آيريس وجعلتها في حالة من النعاس الهادئ. شعرت بتبلد في المشاعر والفكر، وكأنما دخلت في شبه غشية فصارت عاجزة عن تحريك أناملها، أو نطق كلمتين متتابعتين. رفرفت رقع من مناظر طبيعية خضراء بجوار النافذة، كسرب من الطيور ذات اللون الزمردي. كانت أنفاس البارونة الثقيلة تعلو وتنخفض بانتظام مثل المد والجزر.
خشيت آيريس نوعا ما عودة الآنسة فروي، التي ستكسر حتما تعويذة السبات تلك. كانت تترقب في أي لحظة سماع وقع خطواتها السريعة في الممر. على الأرجح ذهبت كي تغسل وجهها، وبسبب الازدحام، اضطرت لأن تتنظر حتى يحين دورها.
آملة خيرا، أغلقت آيريس عينيها مجددا. في البداية كانت تتوجس خيفة عندما تسمع أي شخص يمر بجوار نافذة المقصورة، لكن مع كل إنذار خاطئ كان شعورها بالأمان يزداد. لم تعد الآنسة فروي تمثل لها تهديدا، وصارت مجرد اسم، وعاد أبواها الثمانينيان إلى مكانهما الصحيح داخل ألبوم صور فوتوغرافية قديم، حتى سقراط - الكلب الهجين الغبي كثيف الشعر، الذي كانت آيريس قد بدأت تحبه - صار مجرد ذكرى محببة.
كلاكنكتي-كلانكتي-كلانك. تعالى صوت الأنفاس حتى صار كصوت بحر هائج ترتطم أمواجه بالصخور. كان صوت هدير القطار يطغى عليه، لكنه كان يعلو متماشيا مع إيقاع ضجيج المحرك. كلاكنكتي-كلانكتي-كلانك.
فجأة، علا صوت غطيط البارونة حتى صار كنهيم الفيل، فاستيقظت آيريس مجفلة. اعتدلت في مقعدها، يسيطر عليها واجس من الخوف وقد تيقظت جميع حواسها. أيقظت الصدمة حاسة سابعة جعلتها تتنبأ بكارثة عندما نقلت بصرها بسرعة إلى مقعد الآنسة فروي.
كان لا يزال خاويا.
اندهشت من غصة الإحباط التي شعرت بها؛ فمنذ وقت ليس بطويل، كانت تأمل أن تتأخر عودة الآنسة فروي، لكنها الآن بدأت تشعر بالوحدة وتتوق للترحيب بها.
أقرت في نفسها: «أتوقع أنني سألعن وجودها قريبا جدا، لكن على كل حال هي بشر.»
صفحة غير معروفة