راقبت آيريس الدخان المتصاعد من سيجارتها بينما كانت تستمع إليها. كانت أحيانا ترى وجها صغيرا مبهما يتراقص خلال الدخان، مثل إرسال تلفاز مشوش. بدافع امتنانها للخدمات التي قدمتها لها فيما سبق - والتي ستقدمها لها فيما سيأتي - حاولت أن تشعر بشيء من التقدير تجاه الوالدين العجوزين، لكنها كانت تشعر بضجر شديد من تلك الملحمة الأسرية التي ترويها لها رفيقتها.
علمت أن أباها رجل طويل ونحيل، ذو هيئة كلاسيكية، بينما أمها قصيرة ممتلئة القوام لكنها وقورة الهيئة. على ما يبدو، يمتلك الأب حماسة وطاقة متقدتين؛ إذ بدأ يتعلم اللغة العبرية في عمر يناهز السبعين.
قالت الآنسة فروي موضحة: «لقد وضع جدولا زمنيا مفصلا لكل شهر من حياته حتى يبلغ التسعين. تلك هي النتيجة الحتمية لأن يكون المرء ناظر مدرسة . والآن، أمي تعشق بشدة الروايات. الروايات الرومانسية، كما تعلمين. وهي تقطع مسافة كبيرة كل أسبوع بالحافلة كي تبدل الكتاب الذي استعارته من المكتبة، لكنها لا تستطيع تخيل أحداثها على نحو صحيح إلا إذا جعلتني أنا بطلتها.»
قالت آيريس: «أنا واثقة أنك حظيت بأوقات رائعة.»
كرهت الآنسة فروي تلك المحاولة للتلطف.
فقالت: «حظيت بأوقات رائعة ولا أزال. كان أبي قسا قبل أن يكون ناظر مدرسة، وكان رعاياه دائما يطلبون يدي للزواج. أعتقد أن السبب في ذلك هو أني أملك شعرا مجعدا فاتح اللون، وأني لا أزال أملك الحماسة والأمل في تحقيق ذلك المطلب الأزلي. أظل أذكر نفسي أن كل فتاة صغيرة ولد لها فتى صغير، حتى إن لم نلتق بعد، فنحن نكبر معا، وإن قدر لنا اللقاء فسنلتقي.»
فكرت آيريس بتشكك في الرجال الناضجين الذين يأبون الالتزام بالمواعيد، بينما كانت تستمع لرفيقتها بحنق متزايد. كانت تريد أن تنعم بالسكون، لكن صوت الآنسة فروي ظل يتحدث على نحو متواصل، مثل شريط فيلم سينمائي ناطق يكر.
لكن بعد فترة وجيزة، جذبت الآنسة فروي اهتمامها مرة أخرى عندما بدأت تتحدث عن اللغات.
قالت: «أنا أتحدث عشر لغات، وفيها الإنجليزية. عندما يكون المرء في بلد أجنبي، في البداية لا يفهم كلمة واحدة، ويشعر كأنه جرو ألقي في بحيرة، ثم يتخبط ويجاهد؛ لذا يكون مضطرا ببساطة لأن يتعلم لغتها، إلا إن كان يريد أن يغرق. وبعد عام، يكون قد تمكن منها كمتحدثيها الأصليين، لكني دائما أصر على البقاء لعام آخر، بدافع تحسين تعبيراتي الاصطلاحية.»
قالت آيريس: «أنا أتوقع أن يتحدث إلى الأجانب بالإنجليزية.» «ربما لا يفعلون في الأماكن النائية، وحينها قد يجد المرء نفسه في معضلة كبيرة. هل تودين سماع قصة حقيقة؟»
صفحة غير معروفة