حاولت التمسك بموقفها الانتقادي، لكن هباء؛ إذ كان يشع من المرأة الضخمة المتشحة بالسواد حس من النفوذ الطاغي.
والآن وقد أخذت حماستها تزول، بدأت تشعر بتوابع ضربة الشمس الخفيفة التي تعرضت لها. كان رأسها يؤلمها وتشعر أن مؤخرة عنقها متيبسة وكأنها مدعومة بعمود حديدي. كانت تلك أعراض تحذرها كي تأخذ حرصها؛ فخطر المرض لا يزال يحيق بها، وهي تعلم أنها بحاجة لأن تحتفظ بكل ذرة من قواها العصبية، ولا تهدر مخزونها منها في بغض متوهم.
لكن قرارها ذلك لم ينتشلها من الشعور المتزايد بالضيق؛ إذ لم تشعر بأن الأجواء في العربة خانقة فحسب، بل شعرت أيضا أنها تعج بالقهر النابع من شخصية الأرملة المتشحة بالسواد. كانت آيريس واثقة أنها بمثابة كتلة متخثرة من الأحكام المسبقة، حجر عثرة في شريان الحياة الصحيح للمجتمع. كان من هم على شاكلتها جلطة قيد التكوين.
عندما بدأ العرق يتصبب من وجهها، نظرت تجاه نوافذ المقصورة المغلقة. كان الازدحام في جانب الممر الذي تجلس فيه شديدا لدرجة تمنع دخول الهواء الخارجي؛ لذا جاهدت للوقوف على قدميها وأمسكت بشريط النافذة.
وسألت بأدب يحمل نبرة إجهاد: «هل تمانعون؟» آملة أن يفهم الركاب الآخرون من نبرتها أنها تستأذنهم في إنزال زجاج النافذة.
كما توقعت، نهض رب الأسرة قليلا وأخذ الشريط من يدها، لكن عوضا عن إتمام المهمة، نظر باحترام إلى السيدة البارزة، وكأنها رمز مقدس، ثم نظر إلى آيريس عابسا وهو يهز رأسه بالسلب.
عادت آيريس إلى مقعدها وهي تشعر بالحنق من تلك المعارضة.
قالت في نفسها: «يجب أن أتحمل ذلك . أتحمله دون معارضة؛ فأنا الدخيلة هنا.»
كان شعورا آخر مستجدا على أكثر أفراد الزمرة شعبية أن تكون ضمن الأقلية. بجانب اضطرارها لأن تتحمل نقص التهوية، منحها عدم قدرتها على تفسير أفعالها أو الإفصاح عن رغباتها شعورا عاجزا بأنها محرومة من حاستي الكلام والسمع.
في تلك اللحظة، انفتح الباب وحشر رجل طويل نفسه داخل المقصورة. مع أنها أدركت أن مشاعرها باتت حساسة للغاية، خطر لها أنها لم تر وجها منفرا أكثر من وجهه. كانت بشرته شاحبة مثل الصلصال اللدن، وله عينان داكنتان خاويتان، ولحية سوداء لها شكل البستوني.
صفحة غير معروفة