رغم محاولاتها، جذبتها المرأة ذات المئزر الأسود لأسفل مرة أخرى، بينما دفعت فتاة ممتلئة ترتدي مشدا يكاد يتمزق بكوب بين شفتيها. عندما رفضت أن تبتلع، عاملنها كطفل، فأملن ذقنها وسكبن المشروب الكحولي في حلقها.
جعلها ذلك تسعل وتجاهد لالتقاط أنفاسها، حتى شعرت بالألم يعتصر رأسها. خشية هجوم آخر، استرخت واستسلمت لبؤسها وعجزها. أنبأها حدسها بأنها إن انفعلت، فقد تهتز الحوائط في أي لحظة كما فعلت الجبال التي يكسوها الجليد تمهيدا لغيابها عن الوعي تماما.
وتلك المرة ربما لن تفيق، كما أنها لا تجرؤ على أن تخاطر بأن تمرض في القرية وحدها بعيدا عن أصدقائها. إن عادت إلى الفندق، فبإمكانها أن تطلب المساعدة المالية من النزلاء الإنجليزيين، وحتما يمكن استخراج جواز سفر آخر، لكن ذلك يعني التأخير.
كما أن هؤلاء الأشخاص غرباء بالنسبة لها، وقد انتهت عطلتهم تقريبا. سيرحلون في غضون يوم، بينما قد تظل هي عالقة هناك لأجل غير مسمى، لتصير عرضة للامبالاة أو حتى الإهمال. الفندق كذلك كاد يغلق أبوابه.
قالت آيريس في نفسها: «يجب ألا أستسلم للمرض، يجب أن أهرب على الفور، بينما لا يزال هناك وقت.»
كانت واثقة من أنها إن تمكنت من ركوب القطار، فمجرد إدراكها أنه سيبتعد بها ميلا بعد ميل نحو المدنية كفيل بأن يجعلها تصمد حتى تصل إلى مكان تألفه. تذكرت بازل التي تقع على نهر الراين ذي اللون الأخضر الفاتح، بفنادقها الممتازة التي يتحدث موظفوها الإنجليزية. هناك يمكنها أن تمرض بينما تعامل بلغة مفهومة وتحتفظ بكرامتها.
كان كل شيء يعتمد على لحاقها بذلك القطار. ما تعانيه جعلها فجأة تريد باستماتة العثور على حقيبتها. بينما كانت تحاول جاهدة النهوض مرة أخرى، أدركت أن أحدا ما يحاول أن يتواصل معها.
كان رجلا عجوزا يرتدي قميصا متسخا، وله وجه صغير مجعد، ذو بشرة بنية وتملؤه التجاعيد مثل ندبة خلفها غصن مقطوع في جذع شجرة. ظل يخلع قبعته الملوثة بالشحم ويشير لأعلى ثم لرأسها.
على التو فهمت ما يعنيه. كان يقصد أنه بينما هي جالسة على الرصيف، أصابتها ضربة شمس.
أراحها ذلك التفسير للغاية؛ فقد كان لغز علتها يخيفها ويربكها؛ فهي نادرا ما تمرض، ولم يحدث من قبل أن فقدت وعيها. إلى جانب ذلك، كان دليلا على أنه رغم شكوكها، لم يكن التواصل مستحيلا تماما، هذا إن كان بخصوص موضوعات غير معقدة.
صفحة غير معروفة