قال مهمهما: «هذا يحسم الأمر. لم يعد بيدي شيء.»
في تلك الأثناء، كانت آيريس في قبضة عاصفة ذهنية. عندما غادر البروفيسور كان الخوف يشلها. بدا أن باعثا حيويا في عقلها قد انهار، فلم يعد ذهنها سوى كتلة مشوشة واهنة. كانت الآنسة فروي قضية خاسرة؛ لذا أنكرت وجودها، لكن دون غاية أو أمل أو احترام للذات لم يعد لديها سوى الخواء.
قالت لنفسها: «لقد كنت فرصتها الوحيدة، وها قد انهرت أنا أيضا.»
كانت معرفتها عذابا حاولت عبثا نسيانه، لكن ظلت الصور المصغرة تومض أمام عينيها المغمضتين. عجوزان يقفان متضامين في مدخل باب مضاء، ينتظران. وسقراط، الكلب الأخرق غزير الوبر، وهو يندفع ليلاقي صاحبته التي لن تعود أبدا إلى بيتها.
كانت صورة الكلب هي أكثر ما أثر بها؛ إذ افترضت أن خرف الشيخوخة قد نال من الوالدين العجوزين. قالت في نفسها إن الصدمة ستجهز عليهما معا على الأرجح؛ إذ لا بد أن كلا منهما مخلص للآخر أو معتاد عليه لدرجة أنه لن يطيق متابعة حياته من دونه. حينها ماذا سيكون مصير الكلب الذي سيترك شريدا يتضور جوعا في كوخ ريفي؟
قلقت بشأنه حتى تمكنت منها الحمى. فيما ارتفعت حرارتها بدأ رأسها يؤلمها بشدة، حتى إنه خيل لها أن سلسلة من الانفجارات الصغيرة تحدث بداخله تزامنا مع دورات العجلات الثائرة. «أنت تق تربين. أنت تق تربين.»
ثم تغير الإيقاع ليتحول إلى دقدقة سريعة مضطربة. «أقرب-فأقرب-فأقرب- فأقرب.»
أقرب إلى ترييستي. كان القطار السريع رهينا لقبضة الجدول الزمني التي لا ترحم. سرت نبضات المحرك في جسد آيريس مثل شرايين راجفة لقلب تجاوز حدود مقدرته. كان يرتج ويزأر فوق القضبان، كوحش حديدي يسابق خصما خفيا.
كان يجب أن يسبق الزمن.
عندما دخل هير إلى المقصورة، بالكاد رفعت عينيها ولم تتحدث إليه.
صفحة غير معروفة