فثمة مصير مريع ينتظر الآنسة فروي، وهي الشخص الوحيد على متن القطار الذي يدرك ذلك المأزق، والوقت يمر دون هوادة. نظرت إلى ساعتها فوجدت أنها التاسعة إلا عشر دقائق. في أقل من ساعة سيصل القطار إلى ترييستي.
وترييستي الآن تحمل دلالة بشعة؛ إذ إنها بمثابة غرفة الإعدام.
كان القطار يسير بسرعة هائلة، في محاولة لاستعاضة الوقت المهدر. كان يقعقع ويصر وهو يسلك المنحنيات، تهتز عرباته كأنها لا تعبق برائحة حمولتها من البشر. شعرت آيريس أنهم في قبضة قوة غضبى عديمة الشفقة، هي بدورها ضحية نظام لا يرحم.
فسيتعرض السائق لجزاء عن كل دقيقة يتأخرها عن موعد الوصول المحدد.
دفع حس آيريس بإلحاح الموقف لأن تهب واقفة من مقعدها، إلا أنها ما لبثت أن فعلت حتى ترنحت مجددا؛ إذ ضربتها موجة مفاجئة من الدوار. نتيجة لتلك الحركة المتهورة، شعرت بنبض داخل رأسها وبآلام مبرحة خلف محجري عينيها. أشعلت سيجارة في أمل واهن أن يكون لها تأثير مهدئ.
أنبأها ضجيج الأصوات الآتي من الممر أن الركاب قد بدءوا يعودون من العشاء. كانت الأسرة والشقراء أول الواصلين. كانوا جميعا في مزاج رائق بعد أن تناولوا وجبتهم فلم يعبئوا بآيريس التي نظرت لهم شزرا من مقعدها. أحنقها سكوتهم عن المؤامرة، حتى مع أنهم يجهلون أن خطرا يهدد الآنسة فروي، بل سرهم فحسب أن قدموا خدمة بسيطة للبارونة.
تبعتهم السيدة التي ترتدي حلة الآنسة فروي التويدية وقبعتها ذات الريشة. فور أن وقعت عيناها على تلك المنتحلة، ارتفعت حرارة آيريس مجددا وهي تتساءل في نفسها إن كانت تلك هي بالفعل الممرضة الثانية التي التقتها في الممر.
فكلتاهما لها عينان سوداوان باهتتان وبشرة شاحبة وأسنان نخرة، لكن الفلاحات اللاتي رأتهن في غرفة الانتظار لم يختلفن عنها في شيء تقريبا. لما استحال أن تصل إلى أي استنتاج نهضت آيريس واندفعت خارجة إلى الممر.
كانت متحفزة للتصرف وتنوي اقتحام المقصورة المجاورة، لكن البارونة اعترضت طريقها بجسدها الضخم المتشح بالسواد الذي كاد يسد الممر الضيق. عندما شبت آيريس لتتطلع إلى ما وراء كتفها، أدركت أنها محاصرة في منطقة الخطر بالقطار، بعيدا عن جميع من تعرفهم.
اعتراها فجأة شعور بالعجز والخوف وهي تشيح ببصرها عن الوجه العابس إلى الظلام الدامس الذي يمرق خارج النافذة. زادت صرخات المحرك الجنونية واهتزازات القطار العنيفة من شعورها بأنها داخل كابوس. مرة أخرى، بدأت ركبتاها ترتعدان وخشيت بشدة أن تفقد وعيها.
صفحة غير معروفة