لسوء الحظ، كانت الأشجار قديمة وعطنة، فتحطمت إثر ارتطامها بها لتسقط خلالها وترتطم بالأرض في وسط المسار الحجري.
خففت الأشجار من حدة سقطتها نوعا ما، لكنها أحست بألم وذعر شديدين بينما كانت تهب واقفة على قدميها. على الرغم من جروحها، لم تنس أن تضحك ضحكتها المفتعلة التي تعلمت في المدرسة أن تقابل بها أي إصابة في لعبة رياضية.
تمتمت وهي تنزع الشظايا من ساقيها: «كان هذا ممتعا نوعا ما.»
لكن تهللت أساريرها عندما لمحت الضريح على بعد بضع أقدام منها في المسار؛ إذ كان ذلك تكليلا لنجاح جنوحها. لم تكن بعيدة عن الفندق، فنزلت الوادي بخطى ثقيلة وهي تفكر في جميع وسائل الراحة التي تنتظرها هناك؛ مشروب بارد كبير، وحمام دافئ، وعشاء في السرير. عندما لمحت التماعة صفحة الماء عند انحناءة الخور، انطلقت تركض بخطوات عرجاء من فرط حماستها.
دارت حول المنعطف ثم توقفت تحملق أمامها في دهشة بالغة؛ إذ اختفت جميع المعالم المألوفة لها، وكأنما محا شخص متطفل التضاريس بممحاة هندية. لم يكن هناك أي أثر لبيوت خشبية صغيرة، ولا محطة القطارات، ولا المرفأ ولا الفندق.
أصابها الهلع إذ أدركت أن البوصلة التي استدلت بها على طريقها لم تكن صحيحة؛ فتلك ليست هي البحيرة الخضراء المألوفة، التي اعتادت أن تسبح فيها يوميا هي وأصدقاؤها؛ فهي ليست بحيرة عميقة وبيضاوية الشكل، بل بركة ملتوية لها لون أزرق باهت، وضفتان ضحلتان يكسوهما البوص.
في وضعها الحالي، لم يكن أمامها سوى حل واحد؛ أن تعود أدراجها إلى الضريح ثم تسلك المسار الآخر.
وجدت ذلك أمرا مسليا، فانطلقت منها ضحكة مجلجلة ثم بدأت تسير بخطى متثاقلة بطيئة صاعدة مرة أخرى.
حبسها مزاجها المعكر للغاية من الاستمتاع بروعة المنظر الخلاب. كان مشهدا يعكس وحشة مطلقة، صدعته الانزلاقات أرضية، وتجمعت فوقه أكوام عالية من الحجارة المحطمة. لم تر أي زروع خضراء وسط الصخور الملساء الضخمة أو تسمع زقزقة أي طائر. كانت الأصوات الوحيدة المسموعة هي خشخشة الأحجار التي تتزحزح تحت قدميها، وخرير تيار مائي ضعيف، يمر مزبدا في مجراه شبه الجاف، مثل خيط أبيض متشابك.
كانت آيريس معتادة على الرفقة الدائمة، فبدأت تشتاق إلى الوجوه والأصوات. في خضم وحدتها تلك، تضاءلت نفسها حتى لم يبق منها سوى قدر ضئيل من الشفقة على الذات. ذكرت نفسها أنها عندما تعود إلى إنجلترا، فإنها لن تعود إلى منزلها مثل الباقين، بل سترجع إلى وطنها فحسب.
صفحة غير معروفة