[التوبة من حقوق المخلوقين]
وأحب إلينا أن ينظر إلى ما كان أذى لمسلم أو معاهد، فيستحله ويعتذر إليه منه ويرضيه، وكل ذنب كان بين العبد وبين الناس مسلمهم ومعاهدهم، من سرقة، أو ربا في أموالهم، أو أخذ مال بغير حق في جناية، أو غصب، أو إدخال ضرر عليهم في الأبدان كالقتل، والجراحات كالضرب الشديد، ( كان إذا قدر على ذلك وكان له مال ) فإن لم يكن مال جعله دينا عليه، وعزم على أن يرده إلى أهله إذا قدر عليه، أو على ذريتهم إن كان أهله ماتوا. ويندم على أخذه وحبسه، ويستغفر الله، ويعطي من نفسه أن لا يعود إلى مثل ذلك أبدا، ولا تجزيه التوبة من الأخذ حتى يرد إذ كان حابسا، وإن استوهبه منهم ووهبوه له بطيبة أنفس منهم، كان ذلك له حلالا، بعد الإقرار لهم على أجمل الوجوه. وإن صالحوه وأخذوا بعضا وتركوا بعضا، على غير اقتسار لهم كان ذلك جائزا.
وإن لم يعرف أصحاب المال الذي أخذ منهم المال وأيس أن يعرفهم، أو يعرف ورثتهم، تصدق بمقدار ما أخذ منهم على المساكين، فإن جاءوا بعد ذلك إليه أخبرهم أنه قد تصدق بذلك عنهم، فإن رضوا لم يكن عليه شيء، وإن أرادوا حقهم رده عليهم، إذا قدر عليه، وكانت صدقته له. وإن كان محتاجا إليه فأنفقه على نفسه، وجعله دينا عليه لأهله، فإن تاب قبل القدرة على أدائه إليهم من غصبه المال، وإنفاقه إياه على نفسه، كانت توبته مقبولة عند الله جل ثناؤه، وكان المال له لازما حتى يعينه الله على قضائه.
وإن كان الذي أخذ أموالهم غائبا في بعض البلدان، فلم يقدر على الخروج إليهم به لعلة مرض، أو علة حائلة بينه وبين ذلك، أوصى أن يبعث به إليهم، لأن عليه أن يوصل إليهم حقوقهم حيث كانوا، ويستحلهم من أخذه وإنفاقه وغصبه، ثم لاشيء لهم عليه بعد ذلك. وتوبته مقبولة فيما بينه وبين الله جل ثناؤه.
صفحة ٢٨٠