فأما الإقامة على الكبائر فلا. بل قد وصف الله جل ثناؤه الراجين لرحمته، وكيف وضعوا الرجاء موضعه، فقال: { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } [البقرة:218]. فهكذا يكون الرجاء. وذلك أن الجنة والنار طريقان، فطريق الجنة طاعة الله المجردة من الكبائر من معاصي الله، وطريق النار معصية الله، وإن لم تكن مجردة من بعض طاعات الله، لأنا قد نجد العبد يؤمن بكتاب الله، ويكفر ببعضه فلا يكون مؤمنا، ولا بما آمن به منه من النار ناجيا، يصدق ذلك قول الله عز وجل :{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } [البقرة:85].فلم يسموا بما آمنوا به مؤمنين، بل سموا بما كفروا به منه كله كافرين.
وعلى هذه الطريق في من لم يكفر به من الفاسقين، أهل الكبائر العاصين، فمن كان على المعصية الكبيرة مقيما فهو على طريق النار. فكيف يرجو البلوغ إلى الجنة، وهو يسلك ذلك الطريق. كرجل توجه إلى طريق خراسان فسلكه وهو يقول أنا أرجو أن أبلغ الشام، وهو على طريق خراسان. وذلك ما لا يكون إلا أن يتحول طريق الشام. فهذا مثل من وضع الرجاء في غير موضعه.
فإن اعتل معتل بقول الله عز وجل :{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء:48، 116]. فأطمع من فعل فعالا دون الشرك من الكبائر في المغفرة بهذه الآية.
قيل له: إن الله عز وجل قد قال في موضع آخر من كتابه، لنبيه صلوات الله عليه وآله: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } [الزمر:53]. ففي هذه الآية إطماع لجميع المؤمنين والمشركين وغيرهم، وليست تلك الآية بأوضح في الغفران من هذه الآية، فيطمع للمشركين فيها.
صفحة ٢٧٠