والوجه الرابع من الشرك: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((مدمن الخمر كعابد وثن.))، قيل: وما مدمنه يا رسول الله ؟ قال: ((الذي كل ما وجده شربه، ولو كان في كل عام مرة))، فجعل شارب الخمر كعابد الحجر، والخمر فهو: ما خامر العقل فأفسده، كان من عنب أو زبيب، أو تمر أو عسل، أو ذرة أو شعير، وكل ما أسكر فهو حرام لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام.))، وقال الله عز وجل: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [البقرة:219]، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتعاملون في الخمر والميسر فيربحون فيهما؛ فقال لهم ربهم: { إثمهما أكبر من نفعهما{ ، فالخمر هو ما خامر العقل فأفسده، والميسر فهو القمار كله، من نرد أو شطرنج، أو لهو، ثم قال عز وجل: { فإنه رجس } [الأنعام:145]، والرجس، والإثم في كتاب الله محرمان، قال الله عز وجل: { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا } [الأنعام:145]، فجعلها مثل الدم المسفوح ولحم الخنزير، وقال: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم } [الأعراف:33]، فذكر أن الإثم محرم، فلما نزلت الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحريم الخمر كان قوم من أصحابه يشربونه قبل التحريم؛ فقالوا: يا رسول الله فكيف بصلاتنا وإخواننا الذين كانوا يشربون الخمر حتى ماتوا ؟ فأنزل الله على رسوله: { ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا } [المائدة:93]، يقول: ليس عليهم جناح فيما شربوا قبل التحريم إذا تركوه من اليوم وأقلعوا منه، فكانت هذه الآية إلى آخرها معذرة للماضين، وحجة على الباقين، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حقيق على الله من ملأ جوفه في هذه الدنيا خمرا أن يملأه الله يوم القيامة جمرا إلا من تاب وآمن.))، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((جمعت الشرور في بيت، ثم كان مفتاحه الخمر.)).
وأما قوله سبحانه: { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [النساء:43]، يعني سكر النوم، وذلك أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العشاء ثم يجلسون ينتظرون العتمة، فإذا جاءت العتمة قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بهم، فيقومون وراءه وليس هم يدرون ما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما بهم من الغلبة والسكر والنوم، فنهاهم الله عن الصلاة وهم في ذلك حتى يعلموا ما يقولون؛ لأن الله عز وجل لم يحل لأحد من خلقه خمرا قط.
صفحة ٩٤