الإرادة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
الإرادة من الله عز وجل في خلقه على معنيين:
إرادة حتم وجبر وقسر: وهي إرادة الله عز وجل في خلق السماوات والأرض وما بينهما من الخلق من الملائكة والجن والإنس والطير والدواب وغير ذلك. إرادة حتم وجبر، فجاء خلقه كما أراد، لم يمتنع منه شيء، ولم يغلبه شيء من الأشياء كما قال عز وجل: { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } [الملك:3]، وقال: { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [فصلت:11]، يقول: كونهما فكانتا، من غير مخاطبة ولا أمر، وذلك أن الله عز وجل لم يخاطب أحدا من خلقه إلا ذوي العقول من الملائكة والجن والإنس، وسائر خلقه حيوان لا عقول لها، وجماد لا روح فيه، وإنما خاطب الله عز وجل أهل العقول، وأمرهم ونهاهم، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وبين لهم الحلال والحرام، فمن أطاع وائتمر بأمره وانتهى عن نهيه استوجب من الله الحفظ والحياطة في دنياه الفانية، والثواب الجزيل في آخرته الباقية، ومن عصاه منهم عذبه في الدنيا والآخرة. والذي لا عقل له من خلقه لا يجب له ثواب ولا عليه عقاب.
قال عز وجل: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [النحل:40]، يقول: إذا كوناه كان بلا كلفة ولا اضطراب، ولا تحيل ولا إضمار ولا تفكر، ولا تتقدم إرادته فعله، ولا فعله إرادته، بل إرادته للشيء إيجاده وكونه، وإذا أراده فقد كونه، وإذا كونه فقد أراده، لا وقت بين إرادته للشيء وكونه.
صفحة ٨٦