العبادة
قال يحيى بن الحسين، صلوات الله عليه:
تفسير العبادة على ثلاثة أوجه:
فوجه منها: قول الله تبارك وتعالى : { يابني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين{ ، يقول: لا تطيعوه { وأن اعبدوني } [يس:60]، يقول: أطيعوني، وليس على وجه الأرض أحد يصلي للشيطان ولا يصوم له، بل كلهم يجمعون على لعنته، غير أنهم يعملون عمله، ويسعون في مرضاته، ويساعدونه على إرادته، فجعل الله عز وجل فعلهم ذلك للشيطان طاعة وعبادة، وذلك أن كل مطاع عنده عز وجل معبود.
وكذلك قال رب العالمين في قصة إبراهيم الخليل صلى الله عليه حيث يقول لأبيه: { لاتعبد الشيطان } [مريم:44]، وقال فرعون اللعين: { أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون } [المؤمنون:47]، يقول: مطيعون.
وقال: { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } [الأنعام:121]، فكل من أطاع عدوا من أعداء الله وعاضده أو كاتفه فقد أشرك بعبادة ربه غيره.
وقال عز وجل: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [الأنبياء:89]، يعني: العابد والمعبود من الجن والإنس، لا أنه يعني أنه يعبد المعبودات من الجماد، وذلك أن الجماد هو كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه: { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } [مريم:42]، فضرر عبادة الصنم لا يعدو صاحبه، وهو مأخوذ بفعله معاقب على عمله، وضرر عبادة شياطين الإنس والجن على عابده وعلى الإسلام والمسلمين، وذلك أن الصنم جماد، والجماد لا يفتق ولا يرتق، ولا يأمر ولا ينهى، وشيطان الإنس يأمر من تبعه وأطاعه بقتل المسلمين، وهتك حرمتهم، وأخذ أموالهم، ويأمرهم بالفسق والفجور، والقول على الله بالزور والبهتان وبطاعة إبليس اللعين.
صفحة ٨٥