قال: «البحر من جهنم أحاط به سرادقها.» وقال تعالى: )
والبحر المسجور (
أي الموقد، روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحر نارا، فيسجر بها نار جهنم، وهو أعلم.
فيما بعد الطبيعة (1)
نقول: ولقد راهنت مجلة
Sciéntific American
بألف جنيه أودعتها في خزانتها، وتحدت كل من يؤمن بالأرواح، قائلة: إنها تراهن بهذا المبلغ كل من يستطيع أن يثبت لها عمليا وجود الأرواح، وأنها فوق ذلك تدفع للمراهن هذا مصاريف انتقاله من بلده إلى نيويورك، على أن شخصا من أشياخ العلم عندنا طلب إلي إذ ذاك أن أدلي برأيي، فقلت: إن هذه المجلة لن تستطيع أن توفق إلى مراهن صادق أو روحاني مخلص؛ ذلك لأن الأرواح نوعان: علوية وسفلية، والثانية كاذبة مخاتلة مخادعة ميالة للمزاح واللهو والعبث بعقول المخلوقات، دائبة اللعب، دائمة السخرية، لا يهدأ لها حال إلا بالضحك من عقول الناس تضلل بهم، وتعبث بأعمالهم وأقوالهم كما يعبث الماجن بصاحبه. أما الأولى «الأرواح العلوية» فصادقة، أبية، شأن الكمل، وهذه تمقت المادة وأحوالها وأعمالها، وتحتقر الألعاب سيما منها المحرم أو المكروه، والرهان هذا عمل يستحبه البعض منا ويلهو به، ويلعب على أن الأرواح الطاهرة العلوية تترفع عن مثل هذه الأعمال، وتربأ أن تتدخل في مراهنات، وماذا يضيرها لو آمن الكل أو جحد الأرواح ناس من مخاليق الله، ما دامت لا تهدي من تحب ولكن الله يهدي من يشاء.
إذن فالذي يتصدى للمراهنة من أصحاب المذهب الروحاني ليس يعقل أن يكون إلا ممن يألفون ويتفهمون مع الأرواح السفلية، إما أن يكون هذا أو أن يكون من «البلافين» الملاعبين المشعوذين «كالحواة» وما أشبه ذلك. وقد وقع ما قلت به، فلبثت المجلة في انتظار من يكسب الرهان ردحا طويلا من الزمن، ولكنها لم تظفر ببغيتها، ولم يسع إليها إلا المشعوذون والدجالون، هذه حكاية وقعت من عهد قريب نرويها لمناسبة. وقد كان في وسع أمثال إديسون وأولفر لودج وكونان دويل ووليم جيمس، كان في وسع واحد من هؤلاء أن يثبت علميا وعمليا لجماعة الساينتفك أميركان ما يؤمن به، وما رأى وما سمع، لولا أن هذا لا ترضاه الأرواح.
وهاك ملخص ما نشرته جريدة الهرالد سنة 1921 خاصا باختراع إديسون قالت: «كان إديسون في مكتبه (مساء يوم من الأيام) وكانت أمامه الآلة التي اخترعها لمخاطبة الأرواح، وإذا به يراها تتحرك، فجعل يرقبها ويلحظ حركاتها، وإذا حركاتها على حسب الحروف الأبجدية التي اصطلح عليها إديسون، واتفق هو ومن معه في المعمل على أن تكون رموزا وأداة للتفهم إذا فارق أحدهم هذه الحياة الدنيا وانتقل إلى عالم الأرواح، وعلم أن الذي يخاطبه إنما هو روح مساعده بيترسون، فدهش لذلك؛ لأن بيترسون هذا كان غائبا، ولأن إديسون كان على اعتقاد أنه لا يزال حيا، بيد أنه علم من بعد ذلك بواسطة روحه هذا أن عصابة من الأشرار تربصوا له، وطلبوا منه أن يبوح لهم بما في معمل إديسون من أسرار، وأن يساعدهم بما لديه من أدوات كهربائية على تنفيذ أغراض سافلة سيئة، ولما أبى أن يطيع أمرهم قتلوه. وكان أبعد ما يعتقده إديسون في شأن مساعده أنه ضل الطريق أو غاب عن الحضور لعذر ما، وما أشد حزنه الممزوج بالفرح لنجاح اختراعه! ثم أخذت الآلة تتحرك، وظل إديسون يرقبها، حتى أخبره الروح أنه يحس بأسف شديد ؛ لأنه فارق هذه الدنيا وترك كناريا محبوسا في قفص موضوع فوق سطح منزله دون أن تعلم بذلك زوجته حتى ترعاه بعنايتها، وأنها لا تعلم بوجوده؛ لأنه اشتراه يوم وفاته؛ ليهديه لابنه من غير أن يكون لها بذلك علم، أنبأ روح مساعد إديسون بذلك، وأعلمه أن لديه في مكتب منزله تصميم اختراع محدث، وطلب إليه أن يجرب هذا الاختراع، فإذا نجح كان من حق ورثته من عائلته. أما إديسون والذين معه فقد علموا بعد ذلك أن الكناري مات جوعا.»
ولما قرأ هذا الخبر الدكتور ليمان أبوت أخذته دهشة، وكاد لا يصدق ما فيه من رواية، وفيما هو على هذه الحال دق جرس التلفون، وإذا بالمستر هيوز يخاطب: هل قرأت؟ - قرأت العجب العجاب، هل حقيقي هذا؟ العالم كله في لغط شديد؛ لأن جريدة نيويورك جورنال تقول إن إديسون ما زال حتى هذا الصبح يخاطب روح مساعده بيترسون، وقد علم منه أمورا عن عالم الأرواح. - ماذا علم؟ - علم أن أرواح كثيرين من أعلام الخلق - سيما منهم أقطاب السياسة - تحلق في جو وشنطون الآن. - والله يا هيوز لقد اختلط علي الأمر، فلم أعد أميز بين المزاح والجد، ولا بين الحقيقة والوهم. - لا لا، إن ما تقرؤه وتسمعه لحقائق ثابتة، حقائق كالكذب، لقد اتصلنا بعالم الأرواح من غير ما جدل أو شك، ولم يعد الموت إلا سفرا عاديا بسيطا. - ترى هل ثبت مقتل ويلسون؟ - لقد أصبح في دائرة البوليس مرجحا، وإنما جثته لم يهتد إليها بعد. - ما رأيك في أن نكلف إديسون أن يسأل مساعده بيترسون عن روح ويلسون؟ - أجل، لقد وقع بخاطري أن نذهب إلى إديسون ونسأله بعض الأسئلة، بيد أنه قد أحاط به الصحفيون إحاطة السوار بالمعصم، وقد أمه الناس أفواجا أفواجا من كل صوب وحدب، وقد استنجد الحكومة فبعثت إليه بفرقة من الجيش لرد الخلق عنه. - حسنا إن إديسون صديق من أعز أصدقائي، فلنسع إليه، وسأقترح عليه أن أنشئ لديه مكتبا خاصا لجمع معلومات المخاطبات الروحانية وتوزيعها على الصحفيين، وبهذا يستريح من تكأكؤ الخلق عليه وحول معلمه.
صفحة غير معروفة