هذا هو أساس الإقناع في منطق الإعجاب والإيمان، فإن كان للمنطق أو للتجربة العلمية أساس آخر، فليس معنى ذلك أن الأساسين متناقضان متدابران، وإنما معناه أنهما نحوان مختلفان.
ولكننا إن فرضنا مع هذا أنهما قد تناقضا وتدابرا فليس الخطأ إذن في جانب الصديق، ولكنه على التحقيق في جانب العالم أو المنطيق.
إن قال العالم أو المنطيق: إنني لا أصدق حديث الإسراء ولهذا أبطل الدعوة الإسلامية وأبطل قبلها العظمة المحمدية، فهو المخطئ في برهانه، وهو الذي تعدى به حدود قياسه؛ لأنه نظر إلى المسألة في غير جانبها الذي ينظر إليه، من حيث كان أبو بكر على صواب كل الصواب في نظرته إليها من جانبها الأوفى، أو جانبها الذي هو مناط التأييد والإنكار.
أبو بكر يأخذ النفس العظيمة مأخذا واحدا ويصدق الخبر فيها جملة واحدة ولا يجزئها قطعة قطعة وخبرا خبرا، فيبطلها كلها بخبر من أخبارها وجزء من أجزائها.
وأبو بكر ينظر إلى المسألة في أساسها فيطمئن إليها عند ذلك الأساس ويبني عليه كل ما فوقه من الإضافات والمزيدات، والمسألة في أساسها هنا هي مسألة الصلاح والفساد، ومسألة التوحيد وعبادة الأصنام.
ومسألة المقابلة بين الأخلاق الجاهلية والأخلاق التي تأمر بها الدعوة المحمدية، ومسألة الثقة بالمقاصد العظيمة والمساعي الكريمة، أو الثقة بالجهل الشائع والعادات الذميمة.
فإذا كان أبو بكر قد نظر إلى هذا الأساس فهو المصيب.
وإذا كان العالم هو والمنطيق لم ينظرا إليه فهما المخطئان، وهما المقيمان للقياس على غير أساس قويم؛ إذ كان خليقا بهما أن ينظرا إليه ولا يغفلا عنه، وهو أولى بالتقديم والاعتبار، سواء أخذناه بالإحساس والإيمان، أو بالتجربة وبالتفكير.
ترى لو مثل العالم والمنطيق والصديق أمام عرش «الحق» السرمد بعد ذلك اليوم بعشر سنين فسألهم فأجابوه كل على ما أجملنا آنفا، فأيهم كان يسخطه وأيهم كان يرضيه؟
يمثل العالم أو المنطيق بين يدي الحق فيسأله: ماذا سمعت قبل عشر سنين؟
صفحة غير معروفة