ولذلك قال الله - عز وجل -: {إن بعض الظن إثم} وقال عز وجل في مواضع أخر. فأخرجه مخرج اليقين: {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} وقوله عز وجل في سورة الكهف: {فظنوا أنهم مواقعوها}، وذلك يقين منهم وظن كل امرئ على مقدار # علمه وعقله، فإن من كان عقله صحيحا، وكان تمييزه معتدلا، وعلمه ثابتا، وسلم من متابعة الهوى فيما يواقع الظن فيه فقد صدق ظنه، وقد قيل: ظن الرجل قطعة من عقله، وقيل: إذا ازدحمت الظنون على سر أظهرته، وقال أردشير: "الظنون مفاتيح اليقين"، وقال الشاعر:
(الألميعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأي وقد سمضا)
وقال آخر:
(تناصرت الظنون عليك عندي ... وبعض الظن كالعلم اليقين)
وقد حكم عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - في القوم الذين قاسمهم أموالهم بهذا النحو، فإنه قاسمهم على الظن فيهم، ولو قد تبين خيانتهم أموال المسلمين لما وسعه أن يأخذ بعض ذلك، ويدع عليهم بعضه، لكنه لما ظهر له منهم ما يوجب التهمة، ولم يقو في نفسه قوة اليقين قاسمهم.
ومن الظن العيافة والقيافة والزجر والكهانة، واستخراج المعمى، والمترجم من الكتب، فكل ذلك إنما ابتداؤه الظن والتطير؛ فمرة يجعلون الغراب دليلا على الغربة، والبان على البين، والقضب على قضب النوى، فيزجرون على الأسماء واشتقاقها دون # المعاني، كما قال الشاعر:
صفحة ٨٠