وصلى الرجل وانتهى من صلاته، وحمد الله وأثنى عليه، ثم رأيته قبل أن ييمم شطر الباب يركع ويقبل غلاما نائما ويستودعه الله، ثم يفتح الباب ويأخذ من الأرض قبضة من التراب، ويلقي بها في وجوه الأشباح التي رأيتها وهو يقول: «شاهت الوجوه! شاهت الوجوه! ...» فعميت عن رؤيته تلك الأشباح، وغدت لا ترى أمامها شيئا.
وتتبعت بعيني مخيلتي ذلك الذي خرج من داره وقد أحاطت به جموع تتلألأ من النور، كأنها أحياء من الملائكة تسير في ركابه حراسا من عند الله.
وأخذ في السير، حتى أقبل على دار أخرى وطرق بابها، فسرعان ما انفرج عن رجل آخر، أقصر قامة من زميله، فاستقبله في أدب وإجلال، وأقرأه التحية الطيبة والسلام الزكي، ثم أغلق باب داره ورافق صديقه، وسار كلاهما جنبا إلى جنب، يخبان في مشيتهما الوئيدة المتزنة، وما زالت أجناد النور تحيط بالرجل المتعبد الذي يبدو أنه خرج من داره، ولا إخاله إلا مهاجرا بلده ومنبت رأسه، ومهبط طفولته الناضرة وصباه الباهر، في سبيل أمر جليل، وشأن عظيم.
سار الرجلان، فسمعت الرفيق الجديد يقول: لقد أعددت الراحلتين يا نبي الله، وهما الآن في دار عبد الله بن أريقط.
إذن هو محمد رسول الله، هذا الذي يهم الآن بمغادرة مكة خفية عن عيون قريش، اتقاء لأذاها، وطوعا لأمر الله! وبصحبته وزيره الأول أبو بكر؟
اركب فداك أبي
وفي الطريق إلى دار عبد الله دار حديث بين النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن ثمن الناقة التي أعدها الصديق للرسول، وقد أبى أن يركب ناقة ليست له، وكأني أسمع أبا بكر وهو يقول للرسول: اركب فداك أبي وأمي.
فيجيبه الرسول: إني لا أركب ناقة ليست لي، فما الثمن؟ - بكذا وكذا، وهو الثمن الذي ابتعتها به. - إذن فقد أخذتها به. - هي لك يا رسول الله.
في غار ثور
ورأيت بعيني مخيلتي الرسول وأبا بكر يعرجان على غار ثور يختبئان فيه، حتى لا يلحق بهما رسل قبائل قريش وعيونها وأرصادها.
صفحة غير معروفة