23

بلغة الساغب وبغية الراغب

محقق

بكر بن عبد الله أبوزيد

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد

الإصدار

الأولى

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

وهذا عجب. أترى لو أجمع الأصحاب على مسألة فروعية، أكان ذلك حجة يقتنع بها، ويكتفى بذكرها؟ فإن كان فخر الدين يرى هذا فما يحتاج في تصنيفه إلى ذكر دليل سوى قول الأصحاب. وإن كان لا يرى ذلك حجة في الفروع، فكيف جعله حجة في الأصول؟ وهَبْ أنا عذرنا العامة في تقليدهم الشيخ أبا الفرج وغيره من غير نظر في دليل. فكيف يعذر من هو إمام يرجع إليه في أنواع العلوم؟ ثم إن سلمنا ما قال، فلا شك أنه ما اطلع على جميع تصانيف الأصحاب. ثم إن ثبت أن جميعهم اتفقوا على تكفيرهم، فهو معارض بقول من لم يكفرهم، فإن الشافعي وأصحابه لا يرون تكفيرهم إلّ أبا حامد. فَبِمَ يثبت الترجح؟ ثم إن اتفق الكل على تكفيرهم، فليس التخليد من لوازمه؛ فإن النبي ﷺ قد أطلق التكفير في مواضع لا تخليد فيها ــ وذكر حديث ((سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) وغيره من الأحاديث.

وقال: قال أبو نصر السجْزِي: اختلف القائلون بتكفير القائل بخلق القرآن. فقال بعضهم: كفر ينقل عن الملة. وقال بعضهم: كفر لا ينقل عن الملة. ثم إن الإِمام أحمد - الذي هو أشد الناس على أهل البدع - قد كان يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلى القول بخلق القرآن، وصلاة الجمع والأعياد خلفهم ولو سمع الإِمام أحمد من يقول هذا القول، الذي لم يرد عن النبي ﷺ، ولا عن أحد قبله: لأنكره أشد الإِنكار؛ فقد كان ينكر أقل من هذا.

ثم إن علمتم أنتم هذا، أفيحل لي ولمثلي ممن لم يعلم صحة هذا القول أن يقول به؟ وهل فرض الجاهل بشيء إلّ السكوت عنه؟ فأنا ما أنكرت هذا إلّ على الجاهل به. أما من قد اطلع على الأسرار، وعلم ما يفعله الله تعالى على جليته فما أنكرت عليه. ولا ينبغي له أن يأمرني أن أقول

23