وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وحبيبه وخليله النبي الهاد، الذي أرسله رحمة للعالمين فأظهر الحق وأباد الفسَاد صلئ الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأحزابه الأئمة الأمجاد، صلاةً وسلاما دائمين ما دامت السموات والأرض، والبياض والسواد، وعلى العلماء العاملين، والأئمة المجتهدين الذين بذلوا نفوسهم النفيسة في مرضاتك، وجاهدوا حق الجهاد.
أما بعد: فلما كانت فوائد العلوم لا تحصى، وعوائده لا تستقصى، إذ هو البحر لكن لا ساحل له، والفضاء الذي لا نُدرك آخره ولا أوله، وكنت قد انقطعت للاشتغال بالعلوم الشرعية النقلية، وعكفت على التقاط الفوائد الذهنية العقلية.
غير أني جعلت جُلَّ مطلوبي، وغاية مقصودي ومرغوبي علم الحديث الذي عليه المعول (١) في القديم والحديث، إذ مبنى الشريعة عليه، وقواعد الدين موكولة إليه، كونه كلام الحبيب المختار، وحديث نور الأنوار؛ لاشك عند العقلاء والنظار، أن الحبيب يهوى كلام محبوبه في سائر الأطوار. شعر:
لم أسع في طلب الحديث لسمعة ... أو لاجتماع قديمه وحديثه
لكن إذا فات المحب لقاءَ مَنْ ... يهوى تعَلَّل باستماع حديثه
فلما خالطت بشاشتُه قلبي، ومازجت حلاوته لبي صنفت فيه كتابي المسمى ب (تحبير الوفَاء، في سيرة المصطفى) وألفت فيه
_________
(١) بداية النسخة (ب).
1 / 4