وَكَانَ نَابِغَة الطّلبَة فِي شبيبته، واشتهر أمره، وَبعد صيته، وبرع فِي فنون الْمَعْقُول والعربية والمعاني وَالْبَيَان والأصلين، وصنف فِيهَا وَفِي الْفِقْه، وعاش دهرًا فِي بؤس بِحَيْثُ إِنَّه كَانَ ينَام على قشر الْقصب، ثمَّ تحرّك لَهُ الْحَظ فَتَوَلّى تدريس الْمَالِكِيَّة بمدرسة جمال الدّين الأستادار، ثمَّ مشيخة تربة الْملك النَّاصِر، ثمَّ تدريس البرقوقية، وتدريس الشيخونية. وناب فِي الحكم عَن ابْن عَمه، ثمَّ تولى الْقَضَاء بالديار المصرية سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة، فَأَقَامَ فِيهِ عشْرين سنة مُتَوَالِيَة لم يعْزل مِنْهُ، ورافقه من الْقُضَاة خَمْسَة من الشَّافِعِيَّة: الْجلَال البُلْقِينِيّ، وَالْوَلِيّ بن الْعِرَاقِيّ، وَشَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين البُلْقِينِيّ، وَابْن حجر والهروي، وَمن الْحَنَفِيَّة: ابْن الديري، وَولده، والتفهنني، والعيني. وَمن الْحَنَابِلَة: ابْن مغنى والمحب الْبَغْدَادِيّ، والغز الْمَقْدِسِي. وَكَانَ سمع الحَدِيث من التقى الْبَغْدَادِيّ وَغَيره، وَلم يعتن بِهِ.
وَمن تصانيفه: المغنى فِي الْفِقْه، وشفاء الغليل فِي شرح مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل، وَشرح ابْن الْحَاجِب الفرعي، وحاشيته على المطول، وحاشيته على شرح الْمطَالع للقطب، وحاشيته على المواقف للعضد، ونكت على الطوالع للبيضاوي، ومقدمة فِي أصُول الدّين.
أَخذ عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعَصْر، مِنْهُم شَيخنَا الإِمَام الشمني، وقاضي الْقُضَاة مُحي الدّين الْمَالِكِي قَاضِي مَكَّة.
وَمَات بالقولنج يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة. وامطرت السَّمَاء بعد دَفنه مَطَرا غزيرًا، حَدثنَا عَنهُ غير واحدٍ.
1 / 33