316

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة

محقق

محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر

المكتبة العصرية

مكان النشر

لبنان / صيدا

ابْن الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ بهَا التبريزي وَابْن فورجة وَأَبُو الْقَاسِم التنوخي، وَخلق.
وَدخل على أبي الْقَاسِم المرتضى فعثر بِرَجُل، فَقَالَ: من هَذَا الْكَلْب؟ فَقَالَ أَبُو الْعَلَاء: الْكَلْب من لَا يعرف للكلب سبعين اسْما، فَسَمعهُ المرتضى، فأدناه واختبره، فَوَجَدَهُ عَالما مشبعًا بالفطنة والذكاء، فَأقبل عَلَيْهِ إقبالًا كثيرا؛ وَكَانَ يتعصب للمتنبي، ويفضله، وَكَانَ المرتضى يتعصب عَلَيْهِ، فَجرى ذكره يَوْمًا فتنقصه المرتضى، فَقَالَ المعري: لَو لم يكن للمتنبي من الشّعْر إِلَّا قَوْله:
(لَك يَا منَازِل فِي الْقُلُوب منَازِل ...)
لكفاه فضلا. فَغَضب المرتضى، وَأمر بِهِ فسحب بِرجلِهِ وَأخرج؛ وَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا قصد بِهَذِهِ القصيدة، فَإِن للمتنبي مَا هُوَ أَجود مِنْهَا؟ فَقَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَادَ قَوْله فِيهَا:
(وَإِذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ... فَهِيَ الشَّهَادَة لي بِأَنِّي كَامِل)
وَلما رَجَعَ أَبُو الْعَلَاء إِلَى المعرة، لزم بَيته، وَسمي نَفسه رهين الحبسين؛ يَعْنِي حبس نَفسه فِي الْمنزل وَحبس بَصَره بالعمى.
قَالَ ياقوت: وَكَانَ مُتَّهمًا فِي دينه، يرى رَأْي البراهمة، لَا يرى أكل اللَّحْم، وَلَا يُؤمن بِالْبَعْثِ والنشور وَبعث الرُّسُل.
وَقَالَ الصَّفَدِي: كَانَ قد رَحل إِلَى طرابلس، وَكَانَ بهَا خزانَة كتب مَوْقُوفَة، فَأخذ مِنْهَا مَا أَخذ من الْعلم، واجتاز باللاذقية، وَنزل ديرًا كَانَ بِهِ رَاهِب لَهُ علم بأقاويل الفلاسفة، فَسمع كَلَامه، فَحصل لَهُ بذلك شكوك.
وشعره فِي هَذَا الْمَعْنى المتضمن للإلحاد كثير.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي شَأْنه؛ أما الذَّهَبِيّ فَحكم بزندقته. وَقَالَ السلَفِي: أَظُنهُ تَابَ وأناب.

1 / 316