بلاغ الرسالة القرآنية
الناشر
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
قال أبوك حذافة! قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني! سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ رسولًا، قال: فسكت رسول الله ﷺ حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله ﷺ: أولى والذي نفس محمد بيده! لقد عرضت علي الجنة والنار آنفًا، في عُرْض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر!» (١).
فتأمل هذا المشهد: كيف لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يسأل شيئًا؛ إذ رأوا أمارة الغضب عليه ﷺ، إلا رجلين: أحدهما سأل عن مدخله، فأجابه: النار، والعياذ بالله! والآخر انتهز الفرصة -رغم هول الموقف- فقال: (من أبي؟) فأجابه النبي ﷺ: «أبوك حذافة»، إن الإحساس بانقطاع النسب عقدة اجتماعية، سببها الإحساس بالجهل بالذات اجتماعيًّا، لا وجوديًّا؛ ولذلك فقد جاء في رواية مسلم لهذا الحديث: (فأنشأ رجل من المسجد كان يُلاحَى فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟)؛ أي أنه كان إذا خاصمه أحد من الناس؛ سبه وعيره بنسبته إلى غير أبيه! فكان ذلك يحزنه ويعقده، فلم يستطع أن يكتم رغبته الجامحة في معرفة حقيقة نسبه، رغم ما شهد من رهبة اللحظة، وخوف الصحابة من غضب النبي ﷺ! وكم شهدنا من الناس من أنفق ما أنفق من الأموال والأعمار؛ من أجل
_________
(١) رواه مسلم. (٤/ ١٨٣٢).
1 / 62