بلاغ الرسالة القرآنية
الناشر
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
وهنا فقط ندخل إلى صلب الموضوع:
إن الشعور بالمعنى الرسالي للقرآن، إنما يتحقق لك على المستوى النفسي؛ إذا تصورت طبيعة الوجود البشري، ذلك أن الإنسان إذ جاء من عالم الغيب، قد أحاطت به حجب عالم الشهادة ففقد الاتصال بأصله الغيبي؛ إلا ما كان من نداء الفطرة الخفي في قلبه.
إن ميلاد كل شخص من بطن أمه، ونزوله إلى الدنيا؛ هو كنزول آدم ﵇، من الجنة في عالم الغيب؛ إلى الأرض في عالم الشهادة، حيث تبدأ حجب الحياة الدنيا تنسج على الإنسان غلائل النسيان وتغرقه في جزئياتها اليومية، فيضرب بعيدًا عن استشراف السماء مرة أخرى. ومن هنا اقتضت رحمة الرب العظيم -وهو الرحمن الرحيم- أن يرسل الرسل إلى الناس: أنْ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُم الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢١،٢٢].
جاءت الرسالة من عالم الغيب لتربط الإنسان بأصله الحقيقي، ولتشعره بسعة الكون، وربوبية الخالق ﷿، المحيطة بكل شيء، ثم لتعلمه بقصته كاملة من النشأة حتى المصير، وما له في ذلك كله وما عليه، فجاء القرآن لذلك في
1 / 36