منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
تصانيف
كانت هذه النظرة شيئا خاصا، شيئا شخصيا للقيصر، وهي تترتب من ناحية على تركيب مزاجه، وتأثر هذا المزاج بسحر البطولات التاريخية والزعامات الشخصية الكبرى، كما أنها تترتب من ناحية أخرى على إدراكه لعظم موقع الدولة العثمانية، وعلى وجوب المحافظة على وحدة هذا الموقع، وعلى أن يكسب لإمبراطوريته مزايا هذا الموقع اقتصاديا وحربيا عن طريق محالفة الدولة محالفة إخلاص، وعن طريق النهوض بمرافقها العسكرية والاقتصادية.
إن ألمانيا إن تم لها ذلك يمتد نفوذها امتدادا متصلا عبر البلقان والأناضول إلى البحار العربية، ويتفوق هذا النفوذ على أي نفوذ أوروبي آخر منافس كالفرنسي أو الروسي أو البريطاني، يتفوق عليه لأنه نفوذ متصل متماسك من مبتداه إلى منتهاه، ويتفوق عليه أيضا لأنه يعمل يدا بيد مع الحكومة الشرعية، ولا يرمي إلى هدمها ولا يدخل في علاقات خاصة مع طوائف من رعاياها.
ويمثل سياسة القيصر خير تمثيل مشروعان: إصلاح الجيش العثماني ومشروع سكة حديد بغداد.
ولإصلاح الجيش وضعت الحكومة الألمانية تحت تصرف الدولة العثمانية نفرا من خيرة رجالها العسكريين، من أمثال فون درجولتر وليمان فان ساندرس، وبفضل الخبرة الألمانية كان تاريخ الجيش العثماني في تلك العقود الأخيرة من حياة الدولة، ذلك التاريخ المشرف في شتى الميادين، وبخاصة في حرب التحرير تحت قيادة مصطفى كمال.
أما مشروع سكة حديد بغداد فهو عصب السياسة الألمانية كلها، يمثل النظرة الحربية الاقتصادية خير تمثيل. هو مشروع يرمي لربط أجزاء الدولة وتوحيدها على نحو جديد، وهو مشروع يرمي لإحياء ما يمر به من مناطق، تتصل به مشروعات استخراج المعادن ومد الطرق الفرعية والقناطر وتجهيز الثغور ... إلخ.
وقد قلت إن للمشروع تاريخا حافلا، وإن المفاوضات المتعلقة به لم تتم إلا قبيل الحرب العالمية الأولى.
وقد يظن ظان أن سياسة ولهلم نحو السلطنة تأثرت بميوله نحو الحكم المطلق، ولكننا مع التسليم بتفضيل القيصر ولهلم للحكومة الشخصية ينبغي أن نذكر أنه استمر في خطته هذه نحو الدولة بعد إعلان النظام النيابي فيها وبعد سقوط عبد الحميد.
وكان اضطرار السلطان عبد الحميد في 1908 لإعادة الحياة النيابية التي سبق له أن أعلنها ثم عطلها في مستهل حكمه نتيجة نجاح الجمعية السرية - جمعية الاتحاد والترقي - في استمالة القوات العسكرية لإحداث الانقلاب الدستوري. ولم يقاوم عبد الحميد أول الأمر بل أذعن، ثم أخذ يعمل في تدبير انقلاب مضاد للانقلاب الأول، وأخفق في تدبيره هذا، وأنزل عن العرش في 1909، وأجلس عليه أخوه محمد رشاد الذي تلقب بلقب محمد الخامس.
ختام هذا الاستعراض
من إعلان الدستور العثماني لقيام الحرب العالمية الأولى، واشتراك الدولة العثمانية فيها، وتفكك الدولة، وقيام الجمهورية التركية والدول العربية في طورها الحديث والمعاصر
صفحة غير معروفة