منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
تصانيف
قيام الثورة اليونانية ضد الحكم العثماني في شبه جزيرة المورة ابتداء من سنة 1820 ونجاح تلك الحركة، فعهد السلطان محمود إلى محمد علي أن يتولى إخماد الثورة، وقبل محمد علي وتولى ابنه إبراهيم باشا القيادة ونجح في التغلب على الثوار. ولما ضاق السلطان ذرعا بعصيان الانكشارية وفتنهم لم يتردد في الفتك بهم جموعا وأفرادا، وذلك في سنة 1826، وهذا على الرغم من ظروف الثورة اليونانية.
وتدخلت الدول العظمى لإنشاء مملكة يونانية صغيرة مستقلة، ولكن محمودا رفض الاتفاق؛ فحطمت الأساطيل الأوروبية المشتركة الأسطولين المصري والعثماني في خليج نافارينو، وأعلنت الروسيا الحرب على الدولة، وانتهى كل هذا بتسليم السلطان باستقلال اليونان في الحيز الضيق الذي حدد لمملكتهم، وخارج حدودها يونان كثيرون في البلقان وفي جزر الأرخبيل وفي الأناضول يحلمون بإحياء بيزنطة بكرسيها في القسطنطينية؛ ولهذا الحلم نتائجه خلال القرن التاسع عشر، ثم في الحرب العالمية الأولى وخواتيمها. وشهدت الساعات الأخيرة لهذا الحلم اليوناني بطولة مصطفى كمال ومولد الجمهورية التركية.
سادسا:
وفي 1830 غزو فرنسا للجزائر وابتداء فتحها.
سابعا:
وفيما بين 1830 و1840 كان الاشتباك المسلح بين جيوش السلطان وجيوش محمد علي، والمؤرخون مختلفون فيما بينهم على أهداف محمد علي. أما عن أهداف السلطان فلا اختلاف، فمحمود يعمل دائبا على تقويض نفوذ الولاة من نوع محمد علي؛ فقد حطم (كما رأينا من قبل) الأسرة القرامانلية في طرابلس الغرب، ونجح فجعل من طرابلس الغرب ولاية عثمانية عادية لا يتوارثها أعضاء بيت معين، ويسري عليها ما يسري على الولايات من أنظمة ... ونجح في نفس الوقت تقريبا في وضع نهاية لغصب الباشوات المماليك لولاية بغداد وحول هذا أيضا إلى ولاية عثمانية عادية.
أما بالنسبة لمحمد علي فأعتقد أنه سعى عمليا لتحقيق أغراض محددة تتلخص في استقلال مصر استقلالا فعليا، وضمان هذا الاستقلال. وكانت الضمانات هي: الحكم الوراثي واعتراف الدول الأوروبية به، وإدخال مناطق معينة في نطاق الإدارة المصرية هي الأقطار النيلية والحجاز وسواحل البحر الأحمر الأفريقية والعربية وسورية. وفي رأيه أن اتساع مصر على هذا النحو يكفل سلامتها؛ وذلك لأنها تجد في هذا الملك المتنوع الصفات، الفريد الموقع، الموارد التي تقيم عليها قوتها الاقتصادية؛ ولأنها تجد فيه أيضا ضمان سلامتها الحربية، ويكسب هذه الأقطار وحدة وقوة أنها تكون قسما كبيرا من العالم العربي. وقد قدر محمد علي أهمية هذا لا على أساس العاطفة أو الشعور بل على أساس آخر هو أن ما بين تلك الأقطار من صلات الموقع الجغرافي والتكامل يزيدها قوة انتماء أهليها للأمة العربية.
أما عن العلاقة بالسلطنة العثمانية فأعتقد أنه رأى فوائد في عدم الانفصال عنها؛ من هذه فوائد سلبية، فهو بعدم إعلان الاستقلال يتجنب إثارة الأهلين وهم إذ ذاك متعلقون بالعرش العثماني وبالخلافة الإسلامية، كما أن محاولة الانفصال تؤدي دون شك إلى أزمة أوروبية كبيرة، وإلى إيجاد جو سياسي غير صالح لتحقيق أمانيه بموافقة الدول. أما الفوائد الإيجابية فقد قرر أنه إذا حصل على ما يصبو إليه داخل السلطنة أصبح المتحكم في توجيهها، المسيطر على سياستها، وقد عبر هو بأنه عندئذ يعمل على إحياء قوتها وإعادة عظمتها. وعلى كل حال فليس هناك ما يدعو للإفاضة في التحليل بعد أن تألبت الدول العظمى (فيما عدا فرنسا) ضد اتساع مصر واستغلالها، وفرضت عليها قيود التسوية الأوروبية في سنة 1839-1841.
هذا؛ وأما بالنسبة إلى آثار تلك الفترة في اليقظة أو النهضة العربية، فسندرسها في القسم الثالث من هذا المنهاج.
ولم يعش السلطان محمود الثاني ليرى أوروبا تقتص له من تابعه؛ فقد أنهكته أزمات حكم دام ثلاثين سنة ومات قبل أن يبلغه نبأ انتصار المصريين على جيوشه في نزيب عام 1839. وعقب وفاته سلم قائده البحري الأسطول العثماني لمحمد علي في الإسكندرية.
صفحة غير معروفة