منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
تصانيف
Regences ، وأرى أن اسميها «نيابات»، هذا نقلا عن المصطلح المصري السوري في أيام السلطنة الملوكية، حينما كانوا يطلقون على دمشق أو حلب أو ما ماثل اسم «النيابة»، وحاكمها نائب السلطنة.
وهذه النيابات المغربية كانت في طرابلس الغرب وفي تونس وفي ثغور الجزائر (مدينة الجزائر ووهران وقسنطينة).
وتتألف الهيئة الحاكمة في كل منها من حامية برية وقوة بحرية ورجال الشريعة. وعلى رأس الهيئة «الداي» في مدينة الجزائر و«الباي» في تونس أو في قسنطينة، والباشا في طرابلس الغرب. وهؤلاء جميعا ينتمون لأهل الحرب برية أو بحرية في النيابة، ويصلون للسلطة العليا بقوة السلاح، وبحسن اكتساب الفرص وبالإقدام وبالغدر عند اللزوم وبالحظ السعيد دائما، والدولة العثمانية تقر ما يسفر عنه الأمر الواقع، وهم لا يحيدون عن طاعتها، يشاركون في حروبها، ويؤدون لها ولرجالها أموالا ومساعدات شتى. وقد عرفت لهم هذا فتجنبت أن تتدخل في تلك النيابات إلا لمساعدتها أو إذا تطلبت سياستها الخارجية وعلاقاتها بدولة من الدول الأوروبية أن تأمر النيابات بالكف عن الحرب البحرية أو ما إلى ذلك. والنيابات المغربية كانت تعرف تماما إذا كانت الدولة جادة في أوامرها بالكف عن الحرب أو غير جادة.
وهذه النيابات اعتبرت نفسها في حرب دائما مع الدول الأوروبية وتوابع تلك الدول - مثلا فرسان القديس يوحنا في جزائر مالطة - أو ثغر تجاري مستقل من نوع راجوزا ... إلخ.
والدول الأوروبية نفسها اعتبرت هذه النيابات كما لو كانت لا حق لها في التمتع بأي حق أو بأي ضمان، وقد تهادنها وتدخل معها في علاقات، ولكنها لا تتردد في ضربها أو الاعتداء على سفنها أو رعاياها.
وكانت خلال التاريخ نزعة نحو تحول الرياسة العليا في النيابات إلى نظام وراثي في بيت معين، وهذه النيابات أيضا عاشت على هامش المغرب، وفيما عدا تونس - على ما أعتقد - لم تنجح في أن تتحول إلى وحدة صلحت أساسا لدولة.
وأخيرا - وهذا أمر له خطورته - لم ينجح المغامرون العثمانيون في وضع أيديهم على ثغور السلطنة المغربية، وإن نجحوا في التدخل في شئونها في بعض الأحيان أو أثروا بعض التأثير في خطتها، ولم تنجح الدول الأوروبية إلا في احتلال بعض ثغورها لمدد متفاوتة.
وعلى ذلك فالسلطة المغربية بقيت في أيدي أبنائها، ولم تخضع السلطنة أبدا لسيادة عثمانية ولم تخضع لسيادة أوروبية إلا من وقت الحماية الفرنسية في 1911-1912. (1) المملكة الليبية المتحدة
إحياء لاسم قديم وإنشاء لأوضاع جديدة. فليبيا اسم تاريخي قديم، أحياه الإيطاليون أولا في أيام حكمهم، حينما أرادت إيطاليا إطلاق اسم واحد على ما استولت عليه من أقسام ولاية طرابلس الغرب العثمانية، والأوضاع الجديدة تكوين مملكة اتحادية من برقة وطرابلس الغرب وفزان، وقد اكتسبت خصائص وشخصيات متميزة خلال العهد العثماني والغصب الإيطالي، فكان «النظام الاتحادي» حلا حاولوا به أن يرضوا الخصائص والشخصيات المتميزة.
والعهد العثماني، ويبدأ من القرن السادس عشر على النحو الذي شرحنا في الفصل السابق، ومقره طرابلس الغرب بالذات، ثم أصبحت باشوية طرابلس الغرب ولواحقها وراثية فعلا في بيت القرامانلي، وهذا في أوائل القرن الثامن عشر، ثم حدث حوالي 1830 اشتداد أمور النيابة، بالنزاع بين أفراد أسرة القرامانلي على الباشوية، وازدياد التدخل الأوروبي في أمورها وأمور جاراتها. وكانت الدولة العثمانية قد أخذت إذ ذاك - وعلى يد السلطان محمود - بسياسة الإصلاح المعروفة باسم «التنظيمات»، وهذه تقضي بالقضاء على العصبيات المحلية والأسرات المستقلة وإنشاء دولة تسودها المركزية، وقد خشيت حكومة السلطنة العثمانية أنها إن تركت طرابلس الغرب على ما هي عليه أصابها ما أصاب الجزائر في تلك الأيام؛ فأقصت القرامانلية عن الحكم وأخذت منذ ذلك الوقت تعين ولاة من قبلها على نحو ما فعلت في بغداد في نفس الوقت تقريبا. وقد حاولت أن تفعل ذلك ما استطاعت إليه سبيلا.
صفحة غير معروفة