وتحامى عينيها فنظر إلى الأرض، كان متحرجا متألما، ولكن تصميمه على عدم التراجع كان أعظم فقال: إن ظروفي أقسى من أن تدركيها على حقيقتها؛ أمامي صبر طويل.
ورقت لهجتها فجأة وقد تورد وجهها وقالت برجاء: إذا لم يكن ثمة سبب آخر فبوسعي أن أشاركك الصبر!
فتوجس خيفة من تغير لهجتها، وقال: إنه صبر طويل.
فقالت باللهجة نفسها: لا بأس، إلا أنني أرجو أن تعلن خطبتنا بالطرق المعهودة.
وذهل حيال انقلاب الحديث إلى هذا المجرى بعد أن أوشك أن ينقطع، وركبه الخوف والضيق والجزع، فهتف وهو لا يدري: كلا!
وجعلت تحملق في وجهه في ذهول، ثم خفضت عينيها في يأس، واحمر وجهها خجلا، وحركت شفتيها مرة ومرة؛ كأنها تريد الكلام ولا تستطيعه، ثم غمغمت: أرأيت أنني كنت على حق لما قلت لك إنك تريد أن تتخلص مني؟
وبلغ منه الارتباك مبلغا لم يعهده من قبل، ولاذ بالصمت مليا، ثم قال كالمعتذر: إني جد حزين، ربما أقمت لي العذر يوما.
فقالت في إعياء وقهر: حسبك، لا أريد سماع كلمة أخرى.
وساد صمت ثقيل الوطأة كالمرض ملأ الحجرة بأنفاس اليأس الخانقة، ولكن وجد الشاب على حرجه وألمه لونا من الراحة، فمهما يطل هذا العذاب فلا بد أن ينتهي، وهنالك يجد نفسه حرا طليقا. وتساءل وهو يسترق إليها نظرة ترى ماذا يدور في رأسها؟ ألا زالت تريده؟ أم كرهته؟ أم تتمنى الانتقام منه؟ لشد ما أحبها عهدا طويلا! ولكن هكذا انتهى كل شيء. وتساءل تري فيم تتحادث الأمان؟ وعلام انتهى الحديث الذي طال؟ ثم قال لنفسه: «إن مصيري يتقرر بيدي لا بيد أخرى.» ثم ترامي إليه صوت المرأتين، وهما تتكلمان قادمتين فخفق قلبه، واستحوذ عليه قلق مفاجئ، وعادتا إلى مجلسهما بوجهين يلوح فيهما الرضا - مما ضاعف قلقه - ثم دق الباب وكانت القادمة نفيسة، ورجع حسين إلى الحجرة، فوجد حسنين في المحيطين به ما انتزعه من أفكاره، ورد إليه شيئا من هدوئه. ومع أن بهية بدت على حال من الوجوم لا تخفى، إلا أن الحديث لم يشذ عن المألوف حتى انتهت الزيارة.
79
صفحة غير معروفة