إن الموقف دقيق حقا، بل أليم، ولكن التخاذل معناه الموت بالنسبة إليه، ولن يتهاون في حق حريته ومستقبله. وتنهد متظاهرا بالحزن وغمغم قائلا: إن ظروفي أعقد من أن تقدريها. - أفصح عما تريد قوله. لا أفهم شيئا إلا أنك تغيرت؛ لم تعد كما كنت، لست غبية ولا حمقاء، أنت لا تريد أن تراني. - سامحك الله.
ولعل ضيق الوقت حل عقدة لسانها فقالت في تألم ظاهر: لا تلق إلي بهذه العبارات المبهمة؛ أريد أن أفهم كل شيء؛ ماذا بك؟ لماذا تغيرت هكذا؟ صارحني بما في ضميرك كله.
وحال تشبثه بالنجاة والفرار دون إحساسه بما في كلماتها من يأس وعذاب فقال: لم أتغير، ولكن ظروفي تغيرت.
فقالت باستغراب: تغيرت ظروفك حقا، ولكن إلى أحسن! - هذا في الظاهر فقط، أما الحقيقة فهي أنني بت أدرك مسئولياتي الشاقة.
فقالت بلهجة لا تخلو من غيظ: ألم تكن تدرك مسئولياتك من قبل؟ .. إن مسئولياتك جميعا لا تحول بينك وبين ما تريد، إذا كنت تريده حقا! - أريد، ولا أستطيع.
فرنت إليه شاحبة الوجه وغمغمت: بل تستطيع ولا تريد.
ولم يجد ما يقوله، وتضاعف إحساسه بعذاب الموقف، ومع ذلك ازداد تصلبا وتشبثا فتمتم: أنت مخطئة.
وكانت تتفحصه في جزع ويأس وكأنها تريد أن تنفذ إلى أعماقه، وابتلعت ريقها بمشقة ثم قالت: كلا، لست مخطئة، لو كنت تريد حقا لما قلت لا أستطيع. إن هي إلا معاذير (ثم متنهدة على رغمها) لم تعد تحبني، وتريد أن تتخلص مني، هل ثمة سبب آخر؟!
ومع أن هذا ما كان يؤمن به في أعماقه إلا أن سماعه هاله وأكربه، فرفع حاجبيه منكرا، وقال: لشد ما تظلمينني!
ولم تسكن لهجته خاطرها، أو بالحرى مكنت لقبضة اليأس من عنقها. وزاد إحساسها بضيق الوقت من جزعها، فتناست حياءها المطبوع وهتفت: أنت الظالم؛ لقد خطبتني ثلاثة أعوام ثم بدا لك أن تتخلص مني ...
صفحة غير معروفة