البيزرة
الناشر
مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق
هرب منه ولم يزل كذلك أن جاء إلى خراث (كذا) وأنه ذهب ليأخذه فإذا حذاءه كسا (؟) والكركي تحته فأخذه وأشبعه عليه. وما أقرب هذا من الكذب، ولكني حكيته كما وجدته، وعهدة الصدق والكذب على قائله دون حاكيه.
وذكر لي عن إنسان، كان يلعب بالشاهين، أنه أرسل شاهينه يوما على غداف فراقاه حتى غاب معه في السماء، فلما أيس منه وضجر من طلبته، عاود إلى المكان الذي عوده أن يشبعه فيه، فرأى فيه غدفانا فطارت، وأن الشاهين انقلب عليها فصاد منها واحدا، وأنه كان بين موضع تلف منه وبين موضع صاده أميال، وأنا أصدقه في هذه الحكاية لأنه كانت لي جلمة وكانت فارهة على القبر تصيد من خمسة اطلاق إلى ستة مراقاة في السماء فلما كان آخر النهار تلفت، فعدنا وتركناها وخرجنا غد ذلك اليوم فدعوناها في موضع عودت فيه الدعو، فلم نشعر إلا بها على رؤوسنا فأخذناها، فمن ههنا صدقنا الحكاية عن الشاهين، ولهذا سمي الشاهين غدارا.
ولا بد لمن صنف كتابا أن يذكر فيه ما يصدقه ويصح في العقل وما لا يصح في العقل ولا يقبله، ليتصفح الناظر في كتابه عقول من يقبل الكذب ويصدقه وعقول من نفاه واستقبحه.
ومتى بات الشاهين عنك لم تنتفع به، واحتجت أن تتعب به تعبا مستأنفا، ثم إذا أضجرته مر، ومتى اعتاد الهرب كان أبدا هاربا ولذلك سمي آبقا.
ولقد كان لنا شاهين مقرنص، بخلاف الشواهين في الهرب، لأنا مذ لعبنا به وإلى أن مات ما هرب منا، وكان يصيد من طير الماء ما كبر
صفحة ١٠٦