حتى رفعنا قدرنا برغامها ... واللحم بين مردم وموشق
فأفتتحها بذكر الصيد وصفة الجارح، هزا منه بذلك، وبعثا من أريحيته لما يعلمه من رأيه في الصيد، وموقعه من قلبه. والرغام التراب بالفتح ومنه أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب.
وكان محمد الأمين أشد انهماكا في الصيد وأحرص عليه من كل من تقدمه. وأكثر طرد أبي نواس معمول في جوارح محمد وضواريه مثل قوله:
فأمتع الله به الأميرا ... ربي ولا زال به مسرورا
ثم كان المعتصم أكثرهم محالفة للصيد، وأخفهم فيه ركابا لتوفر همته على الفروسية وما شاكلها، ودخل في بابها، وأكثر مباشرة ذلك بنفسه.
ثم كان المعتضد كالمعتصم في أكثر أموره ومآربه، وأشبه به من سائر (أهل) بيته وبنيه من الخلفاء لمباشرة الحرب والصيد وما أشبههما، ولم يكن ينفك من حرب إلا إلى صيد، ولا من صيد إلا إلى حرب، وكان يخرج لصيد الأسد، فيخيم عليها حتى لا يبقى منها باقية، أخبر عنه نجبة ابن علي نديمه قال: كان يقول كثيرا لما بني (الثريا) أتعلم أن بناء من ابنية الخلفاء يشبه هذا البناء أو يعادله في محل أو موقع؟ أما تراني قاعدا على سريري، يعرض علي وزيري، ويصاد بين يدي صيد البر
صفحة ٤٦