بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

محمد يوسف موسى ت. 1383 هجري
178

بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

تصانيف

وليرد على هذا ابن رشد، يذكر أن الفلاسفة لا يبعد عندهم التسليم بأن المسبب قد يتخلف عما هو سببه عادة إذا وجد مانع خارجي يمنع من صدوره عنه، كما إذا كانت هناك مادة إذا قارنت الجسم القابل للاحتراق بطبعه منعت أن تؤثر النار فيه.

99

على أن لنا هنا فيما نرى أن نلاحظ أن هذا الوضع الذي يفترضه ابن رشد ليس هو ما يراه المتكلمون، وذلك بأنه لم يدع أحد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار كان جسده قد طلي أولا بمادة منعت النار من أن تفعل فعلها، بل القرآن صريح في أن الله هو الذي أمر النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم معجزة له.

أما الأمر الثاني الذي يجوزه الغزالي، وهو أن تأخذ المادة صورة خاصة دون الصور التي يجب أن تكون من قبل، فأمر يدفعه ابن رشد تماما؛ إنه يرى أنه لو كان ممكنا أن ينقلب التراب إنسانا، من غير أن يكون أولا نباتا يغتذي منه إنسان ثم هذا يكون منه مني في رحم امرأة يتحول آخر الأمر إلى إنسان «لكانت الحكمة في أن يخلق الإنسان دون هذه الوسائط، ولكان خالقه بهذه الصفة هو أحسن الخالقين.»

100

على أن فيلسوفنا يذكر بعد ذلك بحق أنه ليس لا للمتكلمين ولا للفلاسفة دليل من العقل على ما ذهبوا إليه، وأنه يجب أن يعتقد كل إنسان ما يفتيه به قلبه، وذلك كما أمر الرسول

صلى الله عليه وسلم

في المشكلات من الأمور التي ترجع إلى ما هو حلال أو حرام.

وأخيرا، إنه مع أن الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة في مشكلة السببية شديد كما رأينا، فإن الإمام الشيخ محمد عبده (توفي عام 1323ه/1905م) - بعد أن بين أن المتكلمين المعتزلة مع الفلاسفة في هذه المسألة، وأن أهل السنة ومنهم الغزالي لا ينكرون العلاقة الضرورية بين الأسباب ومسبباتها، ولكنهم يرجعونها إلى الله مباشرة، بمعنى أن الشبع مثلا يحدث عند الري ولكن من الله - يقرر أنه ليس لمسلم أن يذهب إلى إنكار ما بين حوادث الكون من الترتيب في السببية والمسببية إلا إذا كفر بدينه، قبل أن يكفر بعقله!

101

صفحة غير معروفة