هذا، وكل تلك الأمور التي نسجلها هنا تدلنا بوضوح على تأصل الفلسفة في تلك البلاد، على كره من أهلها للفلسفة وما إليها بسبيل، حتى إنه لما عبر عبد المؤمن بن علي البحر إلى الأندلس وبايعه وجوهها، جلس للناس وللشعراء مجلسا حافلا، فكان أول من أنشده مادحا له أبو عبد الله محمد بن حيوس قصيدة له جاء فيها:
بلغ الزمان بهديكم ما أملا
وتعلمت أيامه أن تعدلا
وبحسبه أن كان شيئا قابلا
وجد الهداية صورة فتشكلا
28
وهذا دليل على أن بعض الأفكار الفلسفية وهي هنا المادة والصورة، قد تأصلت في الأعماق حتى جرت شعرا على ألسنة الشعراء، كما تدل هذه الأمور أيضا على أنه كما يقول «رينان» بحق: كل الجهود التي بذلت لهدم الفلسفة لم يكن منها إلا أنها أذكتها؛ فهذا سعيد الطليطلي يؤكد أن دراسات العلوم القديمة في زمنه (1068م) كانت أكثر ازدهارا من أي زمن مضى.
29
كما تدل كذلك على أن ابن رشد قد جاء بعد عصر عقلي كبير زاهر، وإن كانت هذه الدراسات وقفت في الأندلس فجأة لعوامل مختلفة، ومن هذه العوامل التعصب الديني والانقلابات السياسية، والحروب التي قام بها الفرنجة، حتى إنه بموت ابن رشد سنة 495ه/1198م، فقدت الفلسفة الإسلامية آخر ممثل ونصير لها.
الفصل الثاني
صفحة غير معروفة