24
وشاء الحسد أن يحمل بعض أعداء ابن زهر على السعاية به إلى المنصور بأنه يعنى بهذه العلوم وعنده الكثير من كتبها، وعمل بذلك محضر شهد عليه كثيرون، ولكن النتيجة لم تكن فحص هذا الاتهام، بل كانت عقاب الشاكي والحكم بسجنه، ثم قال المنصور: «إنني لم أول ابن زهر في هذا حتى لا ينسبه أحد إلى شيء منه، ولا يقال عنه ...»
25
وهذا يدل في رأينا على أن اضطهاد المشتغلين بالفلسفة كان مرده في كثير من الحالات إلى الرغبة في استمالة العامة والفقهاء، فإن على هاتين الطائفتين تقوم الدولة غالبا ويستمر السلطان للقائمين به. (4)
بل إن الخليفة أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن كان شديد الميل للفلسفة، فأمر بجمع كتبها، فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي،
26
وإنه لم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب، ويبحث عن العلماء وخاصة أهل علم النظر إلى أن اجتمع له ما لم يجتمع لملك قبله ممن ملك المغرب.
27
ثم كان منه أن اصطفى الفيلسوف ابن طفيل الذي لم يزل يجمع إليه العلماء من جميع الأقطار، وينبه عليهم ويحضه على إكرامهم.
وفي حب أبي يعقوب هذا الفلسفة ورجالها نشير إلى ما كان من تشجيعه لابن رشد وطلبه منه أن يشرح أرسطو، وسيجيء الحديث عن هذا بالتفصيل.
صفحة غير معروفة