بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
تصانيف
لقد كافحت الحبشة في سبيل حياتها قرنا كاملا، فقد بدأت أوروبا تتدخل في شئونها سنة 1805 ممثلة في سياحة شخصين؛ هما: الفيكونت جورج فالنتيا، وكاتم أسراره هنري صولت، وانتهت بمعركة عدوة التي هزمت فيها إيطاليا في شخص الجنرالات باراتيري، والبرتوني، وإريموندي، ودابورميدا.
علاقة مصر بالحبشة وإيطاليا ومركز مصر من دائرة النزاع في عصبة الأمم وخارجها
ما فتئ المصريون من بداية هذا النزاع يظهرون عطفهم نحو الحبشة؛ لأن المصريين تناسوا أو نسوا معارك القرن الماضي، واعتبروا الأحباش ناسا منهم؛ لأن علاقة مصر بالحبشة قديمة جدا، ولأن مسلمي الحبشة يعدون مصر مركزا روحيا لهم، وهم ينتظرون من مصر الإرشاد والعطف، كما أن بطريرك الأقباط في مصر هو الرئيس الديني للأحباش النصارى، ومنهم الأسرة المالكة وأغلب رءوس الدولة، وفوق هذا فقد كان رئيس أساقفة الحبشة من أول عهد المسيحية حتى اليوم ينتخب من رجال الدين الأقباط، وهو الآن الأنبا مرقص مطران الحبشة، وأصله من بهجورة بجوار نجع حمادي.
وهناك سبب آخر لاهتمام المصريين بشئون الحبشة الحاضرة؛ وهو أن سبعين في المائة من مياه النيل مصدرها الحبشة، عن طريق النيل الأزرق ونهر سوباط. ومن الأمور الثابتة أن الأحباش لم يعبثوا منذ فجر التاريخ حتى اليوم بمصالح مصر فيما يخص المياه التي تحتاج إليها. وهذا جميل لا يمكن لمصر أن تنساه.
1
ولا شك في أن مصر ذات نفوذ معنوي عظيم، ولكنها للأسف ليست عضوا في جمعية الأمم، ولو كانت هناك وسمع صوتها بجانب أصوات الأعضاء الآخرين لكانت بعض الدول التي تعتبر حروب الفتح مبررة بالأغراض القومية، ترددت قبل أن تجاهر بالعداء مجموعة من الشعوب فيها مصر المحترمة في الشرق وفي أوروبا، ولذكرت تلك الأمم، ولا سيما إيطاليا، ما بينها وبين مصر من المودة والروابط التاريخية من قديم الزمان.
صاحب الغبطة الأنبا يؤنس بطريرك الأقباط وحوله بعض المطارنة والأعيان.
ولو كانت لمصر شخصية محترمة في جنيف؛ لكان للقاهرة أرفع مقام في النزاع الحالي، وكانت تصبح مصر عاصمة دولية تتجه إليها الأنظار، وتشد إليها الرحال، وتجتمع لديها كلمة الرجال، وتمسي مفتاح الشرق الأدنى بلا جدل.
ولا ريب عندنا في أنه لو كان لمصر هذا الحق لوقفت بجانب مبادئ العصبة، دون أن تنظر إلى كونها متفقة وسياسة إنجلترا أو إيطاليا أو غيرهما أم لا؛ لأن مبادئ العصبة تضمن الحياة والحرية للأمم الصغيرة والأمم المغلوبة، والأمم التي تطلب الحرية، والأمم التي تقاوم الحرب، وقد انضمت إلى مبادئ هذه السياسة جهارا حكومات عظمى، مثل: الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا.
ولا نشك لحظة في أن وجود مصر بالعصبة كان كفيلا بمنع الحرب التي قد تمتد فتصير أوروبية فعالمية، ويكون تقصير الذين قصروا في حق مصر وفي حق العصبة سببا في كارثة عالمية لا يعلم مداها إلا الله.
صفحة غير معروفة