بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
تصانيف
وبذل البطارقة قصارى جهدهم في إيغار صدر النجاشي على المسلمين المهاجرين، فأبى عدل النجاشي، الذي ذكر عنه النبي «أنه لا يظلم عنده أحد»، أن يجيب طلب الرسولين حتى يسمع ما يقوله المهاجرون، فلما مثلوا بين يديه سألهم عن الدين الذي فارقوا فيه قومهم، ولم يدخلوا به في دينه ولا في دين أحد من الملل، فانبرى له جعفر بن أبي طالب - ابن عم النبي - فقال:
أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان.
وأمرنا بالصدق والأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام؛ فصدقناه وآمنا به على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا.
فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، ورجونا أن لا نظلم عندك.
6
فقال النجاشي: «هل معك مما جاء به عن الله من شيء تقرؤه علي؟»
قال جعفر: «نعم!»
وتلا من سورة مريم إلى قوله تعالى:
فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا .
فلما سمع البطارقة هذا القول مصدقا لما في الإنجيل أخذوه وقالوا: «هذه كلمات تصدر من النبع الذي صدرت منه كلمات سيدنا يسوع المسيح!» وقال النجاشي: «إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.» ثم التفت إلى عمرو ورفيقه وقال لهما: «انطلقا، والله لا أسلمهم إليكما!»
صفحة غير معروفة