بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
تصانيف
علم الجغرافية
(1) صورة الأرض
نجد بين كثير من القبائل المتوحشة بقايا فكرة أولية في أن الأرض عبارة عن قرض منبسط، أو خوان مسطح، عرشه السماء أو أن السماء قبة أو خيمة عظيمة تظلله، وأن السماء ترتكز على الجبال، كأنها أعمدة تحملها. ولا مرية في أن مثل هذا الاعتقاد طبيعي صرف، فإنه يوافق ظواهر الأشياء. ومن أجل هذا غزا ذلك المعتقد نواحي كثيرة من مختلف المذاهب اللاهوتية.
ولقد نما هذا الاعتقاد وبلغ نهاية التطور في عصور المدنية المصرية ومدنية الكلدان. أما النقوش الآشورية التي قرئت حديثا، فتمثل الإله «مردخ»
M. rduk
وقد أخذ في البدء بخلق السماوات والأرض. والأرض مستقرة على الماء، وفي جوفها «وادي الكوت». ومن فوقها تنتشر السماء وهي عبارة عن قبة مسدولة عند آخر الأفق من كل الجوانب مستقرة على قواعد برزت من «اللج العظيم» الذي يحيط بالأرض من جميع جهاتها.
وفي كلا الجانبين - الشرقي والغربي - من تلك القبة السماوية أبواب، تدخل منها الشمس في الصباح، وتنزلق خارجة منها في المساء. ومن فوق هذه القبة محيط عظيم، ينحدر في ذلك المحيط الذي يغشى الأرض عند آخر الأفق من جميع جهاتها، وتقوم السماء كفاصل يفصل بين الأرض وبين ذلك اللج المتلاطم فوقها أن يصعقها انقضاضا. ومن فوق كل هذا من فوق السماء والمحيط الذي يعلوها، تكون عليون، أو جوف السماوات العليا.
أما المصريون فاعتقدوا بأن الأرض مائدة منبسطة مستطيلة الشكل وأن السماء عرشها، وهي عبارة عن قبة زرقاء من المعدن الصافي. وفي أركان الأرض الأربعة تقوم العمد التي تحمل هذه القبة مستقرة عليها، ومن فوق هذه السماء الصلبة تكون «المياه المتلاطمة التي تعلو السقف العظيم».
وكانوا يعتقدون بأن العالم عندما كان عماء
chaos ، استطاع أحد الآلهة بقوته المفرطة أن يرفع المياه إلى العلاء وأن ينشرها من فوق القبة الزرقاء وفي السطح الأسفل من تلك القبة أو السقف أو السماء الصافية، أو ما شئت فسمها، تعلق النجوم لتنير الأرض، وأن المطر إنما يصيب الأرض إذا فتحت نوافذ السماء فانحدرت مياه المحيط الأعلى منها. وهذه الفكرة وغيرها من الفكرات ذات الآصرة بها، قد استمكنت من معتقد الفئات الكهنوتية في مصر، وتغلغلت في صميم لاهوتهم وفي علومهم المقدسة. وما تلك المعابد التي لا تزال قائمة حتى اليوم بعروشها المنمقة بالنجوم، والكوكبات والسيارات والإشارات الدالة على مناطق البروج، إلا رمزا حيا على ذلك المعتقد القديم.
صفحة غير معروفة