بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
تصانيف
ثم أشار في النهاية إلى أن ذلك «الصوت» نفسه الذي خص الأرض والمياه بتلك القوات الإنتاجية، سيظل مختصا بهذه القوة ذاتها حتى نهاية العالم. وعلى هذه الفكرة - أو ما يشابهها - سار القديس غريغوري النياسي.
وهذه الفكرة التي استمكنت من عقلية آباء الكنيسة الشرقية العظام، قد أصبحت أشد استمكانا من عقلية الأب الأكبر للكنيسة الغربية؛ فإن القديس أوغسطين - على الرغم من استمساكه بالنص الحرفي الذي صبت فيه الكتب المقدسة - قد رجع عن مذهبه المعروف في قبول التنزيل بنصوصه كما هي، ورفض المعتقد السائد في أسلوب خلقي يشابه ذلك الأسلوب الذي يتبعه صانع اللعب التي يلهو بها الأطفال من عمل صندوق به مختلف الصور والألاعيب. فقال في مقالته المعروفة «تعليقات على سفر التكوين»: «إن الفرض بأن الله قد خلق الإنسان من التراب بيدين عضويتين لفكرة صبيانية. فإن الله لم يبرأ الإنسان لا بيدين عضويتين، ولا بأن نفخ فيه ريحا خرج من حلقومه أو من بين شفتيه.»
بعد هذا تجد أن القديس أوغسطين قد جنح إلى الاعتقاد بالنظرية التطورية القديمة التي عرفت بنظرية «الانبثاق»
Emanation
وهي التي تقول بانبثاق جميع الأشياء من الله، فقال «بأن حيوانات صغيرة معروفة من الممكن ألا تكون قد خلقت في اليوم السادس من أيام الخلق، بل من المرجح أن تكون قد تأصلت بعد ذلك اليوم من المواد المنحلة، مثبتا أنه وإن كان هذا هو الواقع، فإن الله ولا شك يكون خالقها، مستندا إلى إمكان الخلق بالتبعية إلى حقيقة إيجاد المخلوقات بالفعل. ومن ثم يتكلم في «الحيوانات التي برزت بعددها المقدر لها فيما بعد اليوم السادس من أيام الخلق.»
وفي مقالته الكبرى في التثليث
Trinity
وهو مؤلف أنفق فيه ثلاثين سنة من أطيب أيام عمره، نقع على هذه الفكرة في أجلى مظاهر نمائها. فإنه في النهاية يعمد الى القول بفكرة أن خلق العضويات كان خاضعا لأسلوب من النشوء
Growth
وأن الله هو المكون الأول، ولكنه يعمل من طريق أسباب ثانوية. ويختم القول في ذلك بأن مواد ما، قد خصها الله بقوة، تستطيع من طريقها أن توجد صورا خاصة من الحيوان والنبات.
صفحة غير معروفة