بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
تصانيف
البنديكتي المعروف في تعليقاته
Commentary
ليستقوي على الصعاب التي واجهت اللاهوت النصراني في ذلك الزمان، إلى الاعتقاد بأن كل الأنواع التي تلحق بجنس ما من أجناس الأحياء كانت تكون في الأصل نوعا واحدا. ولقد تشبث بهذا الاعتقاد على اعتبار أنه السبيل الأوحد الذي يمكن أن يعلل به الباحثون إمكان جمع زوج من كل نوع من أنواع الحيوانات في سفينة نوح. غير أن هذا الرأي على الرغم مما فيه من خطر واضح على الفكرة الأورثوذكسية، وعلى ما يتضمن من مناقضة صريحة للمذهب الذي استمسكت الكنيسة بعراه، فالظاهر أنه كان كثير الذيوع بين المفكرين خارج الكنيسة، حتى لنجد أن رجالا من طبقة «لينيوس»
Linneaus
قد عمدوا إلى التفكير فيه خلال النصف الأخير من القرن الثامن عشر. ولقد كان من الضروري في ذلك الحين أن تنشأ نظرية لاهوتية أخرى متطورة عن النظريات الأولى بعد أن نضج الزمان لظهورها. ولقد حدث أن «لينيوس» العظيم - على الرغم مما أعلن عنه من شدة اقتناعه بثبات الأنواع وخلقها مستقلة - قد قذف النظرية القديمة بقذيفة ذهبت بها بددا وحطمتها تحطيما. ففي كتابه المعروف باسم «النظام الطبيعي»
Systema Naturae
الذي نشر في أواسط القرن الثامن عشر، أحصى أربعة آلاف نوع من أنواع الحيوانات؛ فظهرت إذ ذاك الصعوبة التي صادفت آدم في تسميتها والصعوبة التي قامت من جراء حملها في سفينة نوح، ظاهرة لكل المفكرين ظهورا جعل حل المعضلة أقل سهولة وأكثر صعوبة.
وتراكمت الصعاب حتى أصبحت ممضة معنتة؛ فإن عدد الأنواع المعينة قد مضى في الزيادة زيادة كبيرة حتى إن أحد كبار الزولوجيين وثقاتهم المجربين من معاصرينا قد ذهب إلى أنه «بجانب كل نوع من الأنواع التي أحصاها «لينيوس» قد عرف الطبيعيون خمسين نوعا آخر، وأنه مما لا شك فيه أن عدد الأنواع التي لم تعرف بعد يزيد على عدد الأنواع التي عرفت بالفعل.»
على أنه كانت قد قامت في الأذهان صعاب أخرى من جراء ما عمدت إليه الكتب المنزلة؛ إذ كان من الضروري - على مذاهب اللاهوتيين - أن يحدث 360 فعلا خاصا من أفعال الخلق المعجزة يقوم بها الخالق ليوجد 360 من الأصداف الأرضية التي تعيش في جزيرة «ماديرا» وحدها على صغر مساحتها، وأن يحدث 1400 فعلا من أفعال الخلق المستقل ليوجد الخالق العدد الموجود من صور نوع واحد من الأصداف المعروفة.
كذلك ازدادت الصعاب عندما عرض للمفكرين البحث في توزيع الحيوانات الجغرافي واستيطانها على سطح الكرة الأرضية. وكانت كلما ازدادت الاستكشافات الجغرافية، ازداد ذلك الخطر الذي داهم الفكرة اللاهوتية. ولقد كان العثور على آثار «السلوث»
صفحة غير معروفة