قال أبو سعيد: الذي يخرج عندي من استحباب قول أصحابنا: إنه إذا كان المسافر في مكنة من أمره وأراد الجمع توخى أن يصلي الأولى في آخر وقتها، /153/ والآخرة في أول وقتها، وإذا فعل ذلك لم يخرج من معاني الاتفاق، وما فعل ذلك خرج عندي من معنى قولهم إنه جائز، وإذا كان نازلا وأراد السفر استحب له أن يجمع الصلاتين في الأولى، لما يدخل عليه من شغل السفر، وإذا كان سائرا يرجو النزول استحب له أن يؤخر الجمع في وقت الآخرة للمكنة للصلاة، ولما به من شغل السفر. [بيان، 14/153]
ومن كتاب الأشراف قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة في غير خوف ولا سفر، واختلفوا فيه، فقال مالك: يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة في الليلة المطيرة، ولا يجمع بين الظهر والعصر في حال المطر، ويجمع بينهما، وإن لم يكن مطر إذا كانت طشا أو ظلمة، وكان أحمد وإسحاق يريان الجمع بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، وكان ابن عمر يرى ذلك، وفعل ذلك أبو ذر وعثمان وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومروان بن عبد العزيز. وقال الشافعي: ويجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا كان المطر قائما، ولا يجمع في غير حال المطر، وبه قال أبو ثور، وكان عمر بن عبد العزيز يرى الجمع بين الصلاتين في حال الريح والظلمة. وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين مباح في الحضر وإن لم يكن مطرا، واحتجوا بخير يروى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فعل ذلك أراد أن لا يحرج أمته، وقد روينا عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيئا مما يتخذه عادة.
صفحة ٧٥