فإن قيل ما أنكرتم أن القوم قد عارضوه ولكنه لم ينقل إلينا وغيب عنا ذكره، وكتم الخبر فيه لما اتسع الإسلام وخافوا على أنفسهم، فانقطع رسمه وامحى أثره. قيل: هذا سؤال ساقط. والأمر فيه خارج عما جرت به عادات الناس، خواصهم وعوامهم من نقل الأخبار، والتحدث بالأمور التي لها شأن، وبالنفوس تعلق، ولها فيها وقع. وكيف يجوز ذلك عليهم في مثل هذا الأمر العظيم الذي قد انزعجت له القلوب وسار ذكره بين الخافقين! ولو جاز ذلك في مثل هذا الشأن مع عظيم خطره وجلالة قدره لجاز أن يكون قد خرج في ذلك العصر نبي آخر، وأنبياء ذوو عدد، وتنزلت عليهم كتب من السماء، وجاءوا بشرائع مخالفة لهذه الشريعة، وكتم الخير فيها فلم يظهر. وهذا ما لا يتوهم أن يكون لخروجه من سوم الطباع ومجاري العادات، فكذلك ما سألونا عنه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن المعارضة قد حصلت منهم لبعضه، وهو ما بلغ مقداره عدد الآي من السور القصار، نحو ما حكي عن مسيلمة من قوله: " يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا الوارد تنفرين " وكما حكى عن بعضهم من قوله:" ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، بين شراسيف وحشى " ن وكما قال آخر منهم: " الفيل، وما لفيل، وما أدراك ما الفيل. له مشفر طويل، وذنب أثيل، وما ذاك من خلق ربنا بقليل ".
قيل: أما قول مسيلمة في الضفدع فمعلوم أنه خال من كل فائدة،
1 / 55