بلهب السعير والدخان المستطير، قيل إن نعمة الله تعالى فيما أنذر به وحذر من عقوباته على معاصيه ليحذروها فيرتدعوا عنها بإزاء نعمه على ما وعد وبشر من ثوابه على طاعته ليرغبوا فيها ويحرصوا عليها. وإنما تحقق معرفة الشيء بأن يعتبر بضده ليوقف على حده.
والوعد والوعيد وإن تقابلا في ذواتهما فإنهما متوازيان في موضع النعم بالتوقيف على مآل أمرهما والإبانة على عواقب مصيرهما، وعلى هذا ما قاله بعض حكماء الشعراء:
والحادثات وإن أصابك بؤسها ... فهو الذي أنباك كيف نعيمها
وأما قولهم: لو كان نزول القرآن على سبيل التفصيل والتقسيم، فيكون لكل نوع من أنواع علومه حيز وقبيل، لكان أحسن نظمًا وأكثر فائدة ونفعًا فالجواب: أنه إنما نزل القرآن على هذه الصفة من جمع أشياء مختلفة المعاني في السورة الواحدة وفي الآية المجموعة القليلة العدد لتكون أكثر لفائدته وأعم لنفعه. ولو كان لكل باب منه قبيل، ولكل معنى سورة مفردة لم تكثر عائدته، ولكن الواحد من الكفار والمعاندين المنكرين له إذا سمع السورة منه لا تقوم عليه الحجة به إلا في النوع الواحد الذي تضمنته السورة الواحدة فقط، فكان اجتماع المعاني الكثيرة في السورة الواحدة أوفر حظًا وأجدى نفعًا من التمييز والتفريد للمعنى الذي ذكرناه. والله أعلم.
وقد أحب الله ﷿ أن يمتحن عباده ويبلو طاعتهم واجتهادهم في جمع المتفرق منه، وفي تنزيله وترتيبه، وليرفع الله الذين آمنوا منهم والذين أوتوا العلم درجات.
1 / 54