والإيمان المطلق بالوراثة في الإنسان، وأنها هي العامل الوحيد في التغير المطلق، ينتهي بإيجاد نوع من الاستبداد وسن القوانين التي تميز في الحقوق ، بل يؤدي إلى إهمال الوسط، بدعوى أننا مهما ارتقينا بهذا الوسط فإن ارتقاءه هذا لن يؤثر في ارتقاء الإنسان، وقد ننتهي إلى ما هو أسوأ فنقول: هذا رجل عبقري بالوراثة، وهذا آخر مجرم بالوراثة، وهذا معتوه بالوراثة، ونحو ذلك.
وكأننا بهذا القول نكف الناس عن بذل المجهود الفردي أو الجماعي للإصلاح؛ لأن الوراثة عندئذ تعود قدرا من الأقدار لا يتغير. •••
ولكن مع الإيمان بقوة الوسط في التغير، بل مع الإيمان بأن الوسط هو الأصل في التغيير والتطور؛ فإننا حين نريد سلالة جديدة من الدجاج أو الحمام أو الخيول أو الكلاب، نعمد إلى الوراثة نستخدمها بالتلاقح بين فردين، نجد أن صفاتهما أقرب ما نفهم من الهدف الذي نصبو إليه.
فالاختيار للكفاءات الوراثية في الإنسان هو الوسيلة النهائية لإيجاد السبرمان.
ولكن هنا تبرز صعوبة ذلك أننا حين نريد سلالة من أحد الحيوانات نعرف ما نريد، جواد للسباق أم الجر، بقرة للبن أو لولادة العجول الضخمة، حمامة لحمل الرسائل أم للريش المزغب، كلب للحراسة أم للشراسة ... إلخ.
ولكننا في الإنسان لا نعرف ماذا نريد وكيف نهتدي إلى ما نريد.
فإن الذكاء والصحة وسلامة الغرائز والتعمير، كل هذه صفات نرغب في أن نستكثر منها في الأجيال القادمة، ولكننا حين نريد الاختيار نجد أولا أن للمجتمع قوانين تقليدية لا تجيز هذا الاختيار بين الناس كما تجيزه بين الحيوان، ومن غير المعقول أن يتحدى أحد هذه القوانين، وثانيا نحن لا نعرف إذا كان الذكاء أو الصحة أو سلامة الغرائز أو التعمير هي نتيجة الوسط بالتربية الحسنة أم هي نتيجة الوراثة.
ولذلك كان برنارد شو يقول إن تحقيق السبرمان عنده فكرة وليس خطة، وإن الفكرة ستبقى أملا بعيدا إلى أن يزداد فهمنا لمعاني الارتقاء البشري وحقائقه.
أما قبل ذلك فليس لنا غير الإصلاح اليوجيني بكف الناقصين عن التناسل وتشجيع القادرين عليه، ولكن مع تجنب الإسراف.
كتاب السبرمان
صفحة غير معروفة