المختار ﷺ، فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حق تقاته، لما أقدمتم على المخاطرة بادئ ذي بدء، بدون إيجاب من الله، ولا إكراه من السلطان، ولا حاجة من المسلمين١.
ولأن الشوكاني قد وجد حاجة المسلمين إليه قائمة، وإلحاح الحاكم والعلماء عليه بقبول المنصب، وانشراح قلبه لذلك بعد صلاة الاستخارة، ودعائها، فقد قبل ذلك العمل، ومع ذلك فقد سلك مسلك العدل القائم على الورع الشديد، ويوضح ذلك تطبيقه الشديد لمبدأ عدم قبول الهدايا بعد توليه للقضاء، حتى وإن كانت الهدية من أقاربه الذين تعودوا تقديمها له قبل شغله لذلك المنصب، مفسرا موقفه هذا بأن الإنسان مجبول على حب من أحسن إليه٢.
يقول ﵀: فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه، المستعد للوقوف بين يدي ربه، من قبول هدايا من أهدى، إليه، بعد توليه للقضاء، فإن للإحسان تأثيرا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلا يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المُهْدِي وبين غيره. والقاضي لا يشعر بذلك، ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادة على هذا، ومن هذه الحيثية امتنعتُ عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إليَّ قبل الدخول فيه، بل من الأقارب، فضلا عن سائر الناس، فكان في ذلك من المنافع ما لا
_________
١ نيل الأوطار ٨/ ٢٦٣.
٢ الشوكاني حياته وفكره ١٩٠.
1 / 44