كبيرة، وتكدّر الخاطر تكدرا زائدا، لاسيما وأنا لا أعرف الأمور الاصطلاحية في هذا الشأن، ولم أحضر عند قاض في خصومة ولا في غيرها، بل كنت لا أحضر في مجالس الخصومة عند والدي- ﵀ من أيام الصغر فما بعدها، ولكن شرح الله الصدر، وأعان على القيام بذلك الشأن١.
وقد حلَّل الشوكاني- ﵀ شخصية القاضي العادل، فحدد له مواصفات وضوابط معينة، فرأى أن على القاضي أن لا يسعى بنفسه ولا بالواسطة، لشغل هذا المنصب، وأن يكون على دراية بالكتاب والسنة، وكيفية استنباط الأحكام منهما، وأن يكون مجتهدا وأن لا يهدف من وراء ذلك جمع المال، أو الحصول على الشرف أو السمعة٢.
وقد وصف الشوكاني تهافت قُضاة زمانه على مناصبهم دون توفر المواصفات السابقة، بأنهم إنما أقدموا على شغلها حبًّا للثواب الأخروي.
يقول: إن الحامل للمقصِّرين على التهافت على القضاء، والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه، ليس إلا الدنيا لا الدين، فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فإذا لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع، وأظهروا شعار التغرير والتدليس- والتلبيس، وقالوا: مالهم بغير الحق حاجة، ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي، فقل لهم: دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار، بنص
_________
١ البدر الطالع ١/ ٤٦٥.
٢ نيل الأوطار ٨/ ٢٦٢، الشوكاني حياته وفكره ١٨٩.
1 / 43